بيان زهد العلماء في الحكام والدنيا

وقال: للحسن البصري: أنا صرت أميراً للمؤمنين - وكان صديقه - فبمن أستعين، ومن أجعل بطانتي؟ قال: يا أمير المؤمنين! أما أهل الدين فلا حاجة لهم بك؛ لأنهم لا يحبون المناظر، ولا المتاجرة بالدين، وأما أهل الدنيا فلا حاجة لك أنت بهم، قال: أهل الدين لا يريدونني وأنا لا أريد أهل الدنيا، إذاً: من يقف بجانبي فقال: عليك بأهل الشرف؛ فإن شرفهم يمنعهم من الخيانة! ونحن إن لم نستفد من السيرة فسنضيع وقتنا هباءً منثوراً.

وأبو حازم لما مشى خلفه أمير المؤمنين قال له: يا أمير المؤمنين! أنت تمشي خلفي من مكة إلى المدينة إلى حدود العراق فطلب شيئاً، قال له: يا أمير المؤمنين! من حاجات الدنيا أم من حاجات الآخرة؟ قال له: من حاجات الدنيا، فتبسم أبو حازم وقال: إذا كنت لم أطلب الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟! وهناك ناس يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة:200 - 201] فهذا هو الذي فاز بالاثنين، فبدلاً من أن تطلب الدنيا اطلب الدنيا والآخرة، وبدلاً من أن تدعو وتقول: نجح الأولاد، واجعل زوجتي مهتدية، ولسانها طيباً وجاري جيداً، والمدير قلبه رحيماً، وكل هذا في الدنيا، أفلا يوجد شيء للآخرة، أو لا تريد شيئاً أبداً للجنة؟ أو لا تريد البعد عن النار؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015