عاد صلى الله عليه وسلم إلى خديجة وقال: زملوني زملوني، دثروني دثروني.
وإنما ضمه جبريل في غار حراء لينقل له النور الإلهي، وعلى أساس هذا كان جبريل يأتي إلى سيدنا الحبيب بصور شتى، فهذه الصورة الأولى أتى فيها على حقيقته، والصورة الثانية كان يأتيه فيها على هيئة رجل يشبه دحية الكلبي، وهو أحد الصحابة، وكان رجلاً وسيماً قسيماً، فكان جبريل يأتي مثل دحية الكلبي، ولذلك رأى الصحابة جبريل في هذه الصورة البشرية؛ لأن الملائكة تتشكل، فسيدنا أبو ذر كان يسير بجوار الحبيب فقال جبريل: هذا أبو ذر يا رسول الله، أقرئه مني السلام، فقال: أوتعرفه يا جبريل؟! قال: والذي بعثك بالحق نبياً إننا في طرقات السماء نعرف أبا ذر أكثر مما تعرفونه في طرقات المدينة.
قال: بم؟ قال: بكثرة قوله: لا إله إلا الله.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر)، وقال: (رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة أمة وحده).
وسيدنا عبد الرحمن بن عوف وجد رجلاً يكلم الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأطال الكلام، فبعد أن أكمل قال: يا رسول الله! عطلك الرجل، وأوشكت أن آتي لأنهره.
فقال له الرسول: (أورأيته يا عبد الرحمن؟ قال: نعم، قال: هذا جبريل، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
فكان يأتي بصورة بشر، ونحن نعلم حديث عمر في أركان الإسلام حين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، شديد بياض الوجه، ليس عليه أثر من آثار السفر، ولا يعرفه أحد، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، قال: صدقت).