مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى الرؤيا فتقع كفلق الصبح، وبلغ أربعين سنة فإذا بجبريل يدخل عليه ولم يعرفه من قبل، فيقول له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، يعني: أنا أمي لا أقرأ ولا أكتب.
والعرب تطلق (الأمي) على الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكان تعليم القراءة والكتابة مقصوراً على الرجال فقط، فكان النساء كلهن لا يقرأن ولا يكتبن، فينسب الذي لا يقرأ ولا يكتب إلى أمه، فيقال: أمي.
فلما قال: ما أنا بقارئ غطه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري -: (فغطني حتى خشيت على نفسي.
فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه المرة الثانية، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه المرة الثالثة، فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]).
فهذه أول خمس آيات تنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما حصل ذلك خاف صلى الله عليه وسلم فولى من الغار تجاه مكة، فرأى بين السماء والأرض جبريل عليه السلام تسد أجنحته مشرق الأرض ومغربها، فقال: يا محمد! أنت نبي هذه الأمة، وأنت رسول رب العالمين، وأنت خاتم النبيين، وأنا جبريل أمين وحي السماء.
وهي إحدى المرتين التي رأى الرسول فيها جبريل على حقيقته، والمرة الثانية كانت في ليلة الإسراء والمعراج، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:13 - 16]، فرأى جبريل على حقيقته في الوقتين.
وهناك رواية ثالثة ضعفها البعض، فيها قال الرسول: (يا جبريل! أريد أن أراك على حقيقتك.
فقال: لا تستطيع.
ثم قال: اخرج إلى البقيع يا رسول الله، قال: فخرجت فرأيت رأس جبريل في السماء، وأقدامه في الأرض، وأجنحته تسد مشرق الأرض ومغربها، فقال: يا رسول الله! ما بالك بمكائيل وأنا بالنسبة له كحلقة ملقاة في فلاة، ولو رأيته وهو ينتفض خوفاً من الله عز وجل حتى يصير كالعصفور؟!) فالملائكة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، فكيف حالنا؟! ولذلك لا يأمن مكر الله إلا كل خاسر وكل منافق وكل كافر وكل فاجر، أما الإنسان الخائف من عذاب الله الذي يؤتي ما آتى وقلبه وجل فهو العبد التقي النقي، اللهم اجعلنا منهم يا رب العباد.