بيان حقيقة ترك إبراهيم إسماعيل وهاجر في مكة

وفي الكتب أن السيدة سارة غارت، والواقع أنه لو كانت غيرة لبنى لهذه بيتاً ولهذه بيتاً، فيضع واحدة في مكان والأخرى في مكان آخر، ولكن سيدنا إبراهيم أخذ هاجر وابنه الرضيع وذهب إلى مكة، ولا يتحرك نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا بإذن من الله.

فسيدنا يونس عليه السلام لما تحرك خطوة بدون استئذان الوحي حصل له ما حصل، كما قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء:87]، فليس براض عنه قومه؛ لأنهم لم يؤمنوا، ويجب أن يكون غضبك لله عز وجل.

وهناك قصة في الغضب لله والغضب للنفس، وهي أن أناساً كان يعبدون شجرة، وعلم بهم رجل مسلم، فأخذ الفأس وذهب ليقطعها، فقابله إبليس في صورة رجل فقال: إلى أين؟ قال له: هناك شجرة تعبد من دون الله سوف أذهب لأقطعها، فقال له: مالك وللناس، دع الناس في شأنهم، وعد إلى بيتك وسوف تجد تحت وسادتك كل صباح عشرة من الدنانير.

فالشيطان يغرك ثم يضرك، كما قال تعالى: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:15]، ويأتي يوم القيامة إلى أهل الفسق والفجور فيقول لهم: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22] ويقول لمن أغواه: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28].

فالرجل عاد إلى البيت فلم يجد تحت وسادته في الصباح شيئاً، وكذلك في اليوم الثاني والثالث، فقال: الرجل يضحك علي، فأخذ الفأس وذهب، فلقي الشيطان في صورة ذلك الرجل فقال له: إلى أين؟ فقال: أنت كذاب تضحك علي، لقد رفعت الوسادة ثلاثة أيام فلم أجد شيئاً.

فقال له: إلى أين ستذهب؟ قال: سأذهب لأقطع الشجرة، فقال له: لو مددت يدك لقطعتها قبل أن تمدها إلينا.

فقال له: لماذا لم تقطع يدي أولاً؟ قال له: لقد خرجت أول مرة غضباً لله، فما كان لأحد أن يمسك بسوء، وأما الآن فإنك خرجت غضباً لنفسك، فإن مددت يدك قطعتها.

فيونس عليه السلام خرج مغاضباً، فركب في السفينة، فكانت الأمواج تأخذها وتضعها، فقال راكبوها: لا بد من إجراء قرعة لقذف أحدنا في البحر، فوقعت القرعة على يونس، فقذف في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات:142].

وحين ابتلعه قال له الله: لم أرسل يونس لك طعاماً، وإنما أرسلتك له حافظاً، وحين دخل في جوف الحوت قال: وعزتك وجلالك لأذكرنك في مكان ما ذكرك أحد فيه من قبل، ثم قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، أوله تهليل وأوسطه تسبيح وآخره اعتراف بالذنب.

فلما قال ذلك قالت الملائكة: يا ربنا صوت معروف في مكان غريب.

فأسماع الملائكة تتعود على ذكر الذاكرين، فأنت حين تكون من الذاكرين لله تتعود الملائكة على سماع صوتك.

قال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144].

قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:145 - 146] واليقطين هو القرع، والقرع هو النبات الوحيد الذي لا يأتي حوله ولا فوقه الذباب، لأن سيدنا يونس سيخرج مبتلاً من الحوت، فالذباب سيجتمع عليه، فكساه الله تعالى بالقرع ثم أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، قال تعالى: {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:148].

فسيدنا الخليل أخذ هاجر وابنه إسماعيل وتركهما في واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وهذا أمر من الله.

فكل حركة من حركات الأنبياء لا تكون إلا بوحي، ولذا لا ينبغي أن تساوي بيوت الأنبياء والمرسلين ببيوتنا؛ فهم المثل الأعلى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015