وأنت عندما ترى المجتمع اختلطت فيه الأمور، فلا احترام فيه لكبير، ولا عطف على صغير، ولا رحمة وعطف من غني على فقير، ولا تواضع من فقير أو من غني أو من موظف أو من ذي جاه أو مال أو منصب؛ فلا تظن أن الدنيا قد انتهت، كلا.
واليائسون من الإصلاح يئسوا لأمور ثلاثة، ونحن ما زال عندنا أمل بصلاح الأمة، وأكبر عنوان لصلاح هذه الأمة نساؤها وشبابها الذين تعرف أقدامهم بيت الله عز وجل، وما دامت أقدامك قد عرفت بيت الله ودروس العلم فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر.
السبب الأول من أسباب اليأس: جهل الناس بطبيعة الدين الإسلامي: والدين الإسلامي حول العرب الغوغاء من أنعام سائمة ترتع في الصحراء إلى أناس فيهم الاحترام والوقار والعبادة والفروسية والنخوة والإيثار وحب الخير للغير كما يحبونه لأنفسهم ويكرهون لهم ما يكرهون لأنفسهم.
وهكذا حول الإسلام العرب من أمم متصارعة ومتحاربة وقبائل متناحرة إلى إخوة متحابين في الله، والله سبحانه وتعالى يمن على المسلمين بقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] فهذه منة من الله عز وجل.
والأقرع بن حابس كان له عشرة من الولد في الإسلام، وما قبل واحداً منهم، ودفن سبعاً من بناته أحياء قبل الإسلام، ثم لما جاء الإسلام وأسلم وجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحتضن الحسن والحسين ويقبلهما، فقال: أتقبلون أبناءكم يا رسول الله؟! وهناك أناس فيهم جفاف في العاطفة، ويعتبرون عطفك الشديد على ابنك أو على ابنتك ضعفاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم، وماذا أصنع وقد نزع الله الرحمة من قلبك؟).
فما كان الأقرع بعدها إلا رحيماً بأبنائه وبأبناء المسلمين، وتحول هذا الإنسان ذو القلب الغليظ إلى إنسان رقيق القلب.
وقال سيدنا أنس رضي الله عنه: كنت لا أحب اليقطين، واليقطين هو: القرع.
قال: فلما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقطها من طرف الصحفة أحببتها لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالإسلام حول الحب، ولذلك سيدنا عمر قال: يا رسول الله! والله إني لأحبك أكثر من كل شيء إلا من نفسي، فقال: (يا عمر! لن يكمل إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وزوجه وولده ونفسه التي بين جنبيه.
فقال عمر: والله إنك الآن يا رسول الله! أحب إلي من ولدي وأهلي ونفسي التي بين جنبي، قال: الآن يا عمر!).
أي: هذا الوقت تحول إيمان عمر ودرجات الإيمان عنده من حب محدود إلى حب مطلق.
ووصل الأمر بـ عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن يجهز جيش العسرة، والجيش في هذا العصر يحتاج إلى مليارات ليتجهز بها.
والعساكر الأمريكان الذين كانوا في درع الصحراء على بعد ألف وخمسمائة كيلو متر من مكة المكرمة استخدموا في شهري أغسطس وسبتمبر ثمانمائة واثنين وثلاثين مليون دولار ثمناً لكريمات دهن الشفاه بسبب القشف في الصحراء.
والجندي منا راتبه ثلاثة جنيه، ربنا يعينه، ويوسع عليه من واسع فضله.
وهو حامد وشاكر، والحمد لله فهذه نعمة من النعم.
فالجندي الأمريكي جالس يدهن شفتيه وهو غضبان، وقد أتوا له بصديقته لتسليه، فكيف سيحارب؟! ولكن الجندي المسلم الذي يتحرك بإذن الله أول ما يقال: هناك حرب ضد إسرائيل فكلنا سنذهب صفاً واحداً إن شاء الله.
ولو فتح التطوع لإخراج إسرائيل من المسجد الأقصى فسوف يجدون بإذن الله ملايين الملايين يقولون: لا إله إلا الله، حي على الجهاد.
والمسلم بطبيعته يعلم أن الدين حول العرب من أناس تتصارع وتتحارب وتتناحر وتتشاكس إلى إخوة متحابين في الله.
هذا هو السبب الأول ليأس المصلحين، ومن فضل الله فأنا لا أيأس أبداً من أنه ما زال هناك خير في الأمة، بل بالعكس الخير يكثر، والشر ينحسر، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]، فالذي ينفع الناس سيبقى وسيظل بلا إله إلا الله.
وفي الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرها من ضل).
لأنها مستمسكة بالكتاب والسنة.
وأعظم شيء أنك تلقى زوجتك رغم الفوضى والعري في الشوارع منقبة ومختمرة، تمشي بأدب، وتأتي إلى المسجد وتسمع درس العلم، وتقوم تصلي الفجر وتصلي ركعتين في جوف الليل، وتقرأ القرآن، وأولادك الصغار على الأكل يقولون: باسم الله، اللهم بارك لنا في ما رزقتنا! وبعد أن يكملوا يقولون: الحمد لله رب العالمين، وتجد أولادك مصلين وبناتك مطيعات.
فهذه نعمة من النعم، وهذا فضل يجب أن تحمد الله عليه، وتستزيد الله من فضله، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7].
اللهم اجعلنا من الشاكرين، وممن تقبل شكرهم وتزيدهم من فضلك يا أكرم الأكرمين! يا رب العالمين!