وقد أخذته السيدة حليمة السعدية إلى بني سعد، وهناك في بني سعد تعلم أشياء أربعة: تعلم اللغة العربية والفصاحة والبلاغة، فهذه القبيلة عربية أصيلة، وتعلم فيها لهجات العرب، لذلك لما كان يأتي إليه وفد من أي قبيلة كان يكلم الوفد بلهجته، رغم أنه ما تعلم في معهد ولا مدرسة، فقد كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة:2] صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض العلماء عن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إنه علمه ربه، وأتوا بأدلة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم على مر الوقت.
وهذه القضية ليست بحاجة إلى تفسير أو تأويل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ولد في أمة متقدمة ومتحضرة كفارس أو كالروم، وما خرج من حدود مكة أبداً، إلا ما كان قبل بعثته حينما ذهب متاجراً للسيدة خديجة إلى الشام ورجع.
لذلك أنصح الذين يقرءون كتب محمد حسين هيكل أو طه حسين أو غيرهما أن يدققوا قليلاً، أو يقرءوا في سيرة ابن هشام أو ابن إسحاق، أو السيرة النبوية لـ أبي الحسن الندوي، أو البداية والنهاية لـ ابن كثير، من أجل أن يأمنوا على تاريخهم وعلى دينهم في هذه المراجع الطيبة.
فإن الدكتور هيكل يقول: إن محمداً ذهب إلى الشام، ثم تجادل مع الرهبان هناك، وتعلم منهم أشياء.
ويجاب عليه: بأن الرسول ما علمه إلا ربه، قال له ربه: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113].
وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:52] أي: كنت قبل هذا لا تعرف أن تقرأ ولا تعرف ما معنى الإيمان.
وفي نهاية قصة سيدنا يوسف قال له: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف:102].
وعندما اختلف بنو إسرائيل في كفالة السيدة مريم يريدون من ذلك أخذ الثواب الذي لكفالة اليتيم، فأتوا إلى نهر الأردن، وعملوا القرعة، وهي عبارة عن قطع أو ألواح من الخشب، وكل واحد يكتب عليها اسمه، ويلقونها في نهر الأردن، فأي لوح أو قطعة من الخشب تصل أولاً فصاحبها هو الذي يتكفل باليتيم، يقول ربنا لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:44].
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زكريا وأقاربه والأحبار والرهبان من بني إسرائيل عندما ألقوا القرعة في نهر الأردن؟ فقد كان في عالم الغيب.
وفي آخر قصة سيدنا يوسف قال له: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف:102]، لماذا؟ قال تعالى في سورة أخرى: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32]، أي: من أجل أن نثبت العقيدة عندك يا حبيب الله، ولتعلم أن الله سبحانه ينصر رسله.