فقال لهُ الشيخُ: أحسنْتَ لا فُضّ فوكَ. ولا بُرّ منْ يجفوكَ. فوَاللهِ إنّكَ معَ الصِّبا الغَضّ. لأحْفَظُ منَ الأرضِ. وأجمَعُ من يومِ العرْضِ. ولقدْ أورَدْتُك ورُفْقتَكَ زُلالي. وثقّفْتُكُم تثْقيفَ العَوالي. فاذْكُروني أذكُرْكُمْ واشْكُروا لي وَلا تكفُرون. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فعجِبْتُ لما أبْدى من بَراعَةٍ. معجونَةٍ برِقاعَةٍ. وأظهَرَ منْ حَذاقَةٍ. ممزوجَةٍ بحَماقَةٍ. ولمْ يزَلْ بصَري يُصَعِّدُ فيهِ ويصوِّبُ. وينقِّرُ عنهُ وينقِّبُ. وكنتُ كمنْ ينظُرُ في ظَلْماء. أو يَسري في بهْماء. فلما استَراثَ تنبُّهي. واسْتَبان تدلُّهي. حمْلقَ إليّ وتبسّمَ. وقال: لمْ يبقَ مَنْ يتوسّمُ. فبُهْتُ لفَحْوى كلامِهِ. ووجَدْتُهُ أبا زيدٍ عندَ ابتِسامِهِ. فأخذْتُ ألومُهُ على تديُّرِ بُقعَةِ النَّوْكى. وتخيُّرِ حِرفَةِ الحمْقَى. فكأنّ وجهَهُ أُسِفّ رَماداً. أو أُشرِبَ سَواداً.