مقامات الحريري (صفحة 459)

حصَبٌ. ثمّ انسَدَرَ يعْدو. وولّى يحْدو. فقال لي أبو زيدٍ: أعَلِمْتَ أنّ الأدَبَ قد بارَ. وولّتْ أنصارُهُ الأدْبارَ؟ فبُؤتُ لهُ بحُسْنِ البَصيرَةِ. وسلّمْتُ بحُكْمِ الضّرورةِ. فقال: دعْنا الآنَ منَ المِصاعِ. وخُضْ في حديثِ القِصاعِ. واعْلَمْ أنّ الأسْجاعَ. لا تُشبِعُ منْ جاعَ. فما التّدبيرُ في ما يُمسِكُ الرّمَقَ. ويُطفِئ الحرَقَ؟ فقلتُ: الأمرُ إليْكَ. والزّمامُ بيديْكَ. فقال: أرى أنْ ترْهَنَ سيفَكَ. لتُشبِعَ جوفَكَ وضيفَكَ. فناوِلْنيهِ وأقِمْ. لأنقَلِبَ إليكَ بما تلْتَقِمُ. فأحسنْتُ به الظّنّ. وقلّدتُهُ السيفَ والرّهْنَ. فما لَبِثَ أنْ ركِبَ الناقَةَ. ورفضَ الصّدقَ والصّداقَةَ. فمكثْتُ مليّاً أترَقّبُهُ. ثمّ نهضْتُ أتعقّبُهُ. فكُنتُ كمَنْ ضيّعَ اللّبَنَ في الصّيفِ. ولم ألْقَهُ ولا السّيفَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015