مقامات الحريري (صفحة 420)

وأنّ القاضيَ فيهِ مهْمومٌ. لئلاّ يحْضُرَني خُصومٌ! قال: فأمّنَ الحاجِبُ على دُعائِهِ. وتَباكى لبُكائِهِ. ثمّ نقَدَ أبا زيدٍ وعِرْسَهُ المِثقالَينِ. وقال: أشهَدُ أنّكُما لأحْيَلُ الثّقَلينِ. لكِنِ احْتَرِما مجالِسَ الحُكّامِ. واجتَنِبا فيها فُحشَ الكلامِ. فما كُلُّ قاضٍ قاضي تبريزَ. ولا كُلَّ وقتٍ تُسمَعُ الأراجيزُ. فقالا لهُ: مثلُك منْ حجَبَ. وشُكرُكَ قدْ وجَبَ. ونهَضا وقدْ حظِيا بدينارَينِ. وأصْلَيا قلْبَ القاضي نارَينِ.

تفسير ما أودع هذه المقامة من الألفاظ اللغوية والأمثال العربية

قوله (لقيت منها عرق القربة) هذا مثل يضرب لمن يلقى شدة من الأمر الذي يزاوله كما أن حامل القربة يلقي جهداً حتى يعرق. وقوله (جعلته دبر أذني) يعني طرحته وهو كقوله تعالى فنبذوه وراء ظهورهم. وقوله (اكذب من سجاج) يعني التي تنبأوت في عهد مسيلمة الكذاب وسارت إليه لتناظره وتختبره ثم آمنت به ووهبت نفسها له وهذا الاسم مبني على الكسر مثل حذام وةقطام لكونه من الأسماء المعدولة واشتقاقه من السجاحة وهي السهولة ومنه قولهم ملكت فاسحج. وقولها (اكذب من أبي ثمامة) هذه كنية مسيلمة الكذاب وكان تنبأ باليمامة ومخرق بها إلى أن سار إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه فقتله. وقوله (لا نعم عوفك) العوف الحال والعوف أيضاً الذكر ويدعي للباني على أهله فيقال له نعم عوفك. وقوله (يا دفار يا فجار) هذان الاسمان معدولان عن دافرة وفاجرة والدفر النتن وبه سميت الدنيا أن دفر وكل ما سمي بصفة غيالبة ثم عدل بها إلى فعال بني على الكسر عند البداء كقولك يا لكاع يا خباث يا دفار يا فجار ولا يجوز استعمال ذلك في غير البداء إلا في ضرورة الشعر كقول الحطيئة

أطوف ما أطوفز ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015