؛ فحَمَلَ عَلَيْهِ فَعُطِبَ؛ فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ، فَقالَ عُمَرُ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَجُلاً.
فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي أَرْضَى بِشُرَيحٍ العِرَاقِي [/15] ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَخَذْتَهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَا ً؛ فأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَاً. قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ؛ فَبَعَثَهُ قَاضِيَاً، وقَالَ: مَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ؛ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ في كِتَابِ اللهِ؛ فَمِنْ السُّنَّةِ؛ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في السُّنَّةِ؛ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك)) (?) .
قَالَ ابنُ القَيِّمِ: ((فَالرَّأْيُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: رَأْيٌ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلنَّصِّ، والْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالْخَرْصِ.
وَرَأْيٌ صَحِيحٌ، وهُوَ الَّذِي اسْتَعْمَلهُ السَّلَفُ وَعَمِلُوا بِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: سَوَّغُوا الْعَمَلَ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءَ بِهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَمْ يُلْزِمُوا أَحَدًا الْعَمَلَ بِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا مُخَالَفَتَهُ، وَلَا جَعَلُوا مُخَالِفَهُ مُخَالِفًا لِلدِّينِ)) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً مَعْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ (?) .
وَقَالَ أَيْضَاً: ((لَفْظَ الْقِيَاسِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، يَدْخُلُ فِيهِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، فَالْأَوَّلُ قِيَاسُ الطَّرْدِ، وَالثَّانِي قِيَاسُ الْعَكْسِ، وَهُوَ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَيْثُ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ قِيَاسٍ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ)) (?)
[16/] وَقَالَ أَيْضَاً: ((ذِكْرُ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي التَّقْلِيدِ وَانْقِسَامِهِ إلَى مَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْإِفْتَاءُ بِهِ، وَإِلَى مَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِلَى مَا يَسُوغُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ.
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ؛ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: الْإِعْرَاضُ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَقْلِيدِ الْآبَاءِ.
الثَّانِي: تَقْلِيدُ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْمُقَلِّدُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ.