9 - ثقل سماع القرآن الكريم بسبب الاعتياد على سماع الأناشيد، وهو - أي ثقل سماع القرآن - أمر طبعي في حق من اعتاد سماع الأناشيد، واعتنى بها أكثر من اعتنائه بسماع القرآن الكريم (?).
ويحصل الاستثقال هنا لسببين:
الأول: اعتياد قلبه على سماع الأناشيد الملحنة بالأنغام المطربة المتنوعة، ويحصل لذلك نفور سماع آيات القرآن الكريم التي لا يكون فيها ذلك الإطراب الذي اعتاد عليه القلب وتعلق به (?).
الثاني: إنّ في الشعر والنشيد موافقة لأغراض النفوس - قلّ أو كثر - بخلاف القرآن الكريم الذي فيه تقييد للنفوس بالأوامر والنواهي الصارمة، قال ابن القيم - رحمه الله - مُشيرا إلى هذا السبب:
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
وأتى السماع موافقا أغراضها فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه (?)
ولهذا يوجد مَن اعتاد سماع الأبيات الملحنة واغتدى بها، ولا يحن إلى القرآن ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات ذوقا وحلاوة ووجدا، كما يجد في سماع الأبيات، بل ولا يُصغي أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه، ولا يقومون معانيه، ولا يغضون أصواتهم عند تلاوته (?).
10 - التأثر بمواعظ النشيد دون مواعظ القرآن الكريم، وهذا من علامات السماع المحدث (?)، قال ابن الجوزي (?) - رحمه الله -:"وقد نشب حب السماع بقلوب خلق منهم فآثروه على قراءة القرآن، ورقة قلوبهم عنده بما لا ترق عند سماع القرآن، وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن، وغلبة طبع، وهم يظنون غير هذا"، ثم ساق من تاريخ الخطيب بإسناده إلى أبي نصر السّراج، يقول:"حكى لي بعض إخواني عن أبى الحسين الدراج.
قال:"قصدت يوسف ابن الحسين الرازي من بغداد، فلما دخلت الري سألت عن منزله، وكل من أسأله عنه يقول: إيش تفعل بهذا الزنديق؟!
فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف، فبتُّ تلك الليلة في مسجد، ثم قلت: جئت هذه البلدة فلا أقل من زيارته، فلم أزل أسأل عنه حتى وقعت إلى مسجده وهو قاعد في المحراب، بين يديه رجل على يديه مصحف، وهو يقرأ.
فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، وقال: من أين؟ قلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ. فقال: تحسن أن تقول شيئا؟ قلت: نعم. وقلت: رأيتك تبني دائما في قطيعتي! ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني!!
فأطبق المصحف، ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه! حتى رحمته من شدة بكاءه!!