إذاً فليُحْسب فشل الديمقراطية الحاضر والقادم عليها هي، وليسلم دين الله من الصدِّ عنه، لسبب لا تعلق له به، وليرتقب ناصرو الديمقراطية سقوطاً قريباً لها، بعد أن صَمّوا آذانهم وأغمضوا أبصارهم عن وقائع فشلها الكثيرة، ومنها هذه الوقائع الراهنة في السياسات الظالمة خلال السنوات العشر الماضية، التي أزهق الغرب فيها من الأرواح، وأحل بها من الخسائر المادية ما لم يَخْفَ على أحد، كل ذلك بحجة فرض هذه الديمقراطية بالقوة على شعوب المنطقة. ولا عجب فقد أغمض مناصرو الديمقراطية أبصارهم من قبل عن المفاسد الخلقية المنتنة التي أوجدتها الديمقراطية في كل مجتمع حلت به، باسم الحرية الشخصية، فغدت أرقام الفواحش في تلك المجتمعات وصمة عار توضح لك معنى قلب الحقائق عند الحديث عن (حقوق الإنسان) حيث جُعِلَ هذا الإنسان - الذي كرمه الله - بمثابة السلعة الترويجية، تُنشَر الدعاية المخزية المتعلقة به كما تنشر لأي سلعة أخرى، وكان المتضرر الأكبر من ذلك هذه المرأة المسكينة التي بلغت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أن قال فيها: (اللهم إني أُحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم) (رواه أحمد 3/ 439) فقرنها باليتيم في الضعف، وحرج على من ظلمها حقها. فتأمل كيف جاوز الظالمون المدى في ظلمها والعبث بها باسم مناصرة حقوقها، حتى أزالوا من قاموسها في بلدانهم اسم (العِرْض الشريف) وسط ضحكاتهم الساخرة وغمزاتهم الفاجرة، فصار الوصول إليها سهل المنال، إلى الحد الذي أضحت المرأة فيه فقرة حاضرة ضمن كل تسلية وترفيه عابث منحط، وما هذه المسابقات المأساوية الظالمة، المسماة بمسابقات ملكات الجمال إلا شاهد سنوي مؤكد على مدى النظرة المتدنية للمرأة التي باتت تُعرض على ناظر الرجال كما تعرض الدواب من الخيول وغيرها لينظر في جمالها، تماماً كما ينظر إلى السلع الأخرى في مزادات السيارات عند خروج مايُعبر عنه بالموديلات الجديدة كل عام فوا أسفاً على هذا الإنسان كيف استذلته الديمقراطية!، والله لكأن المرأة غير داخلة ضمن حدود التكريم الذي شرف الله به الإنسان ورفع من قدره، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا! وهكذا أوصلت الديمقراطية شقائق الرجال إلى حال مزرية بعد أن تنوَّعت وجوه الانتهاك الوقح لشرفها، وكأن حق (عِرْض) كريم شريف للمرأة يدعو إلى إكبارها وتقديرها من قبل الرجل، بل ويرفع من مستوى العلاقة الإنسانية بينه وبينها، كأنه ليس من الحقوق التي يجب أن تكون من أبجديات هذه العلاقة! وهذه المسألة بعينها تبرز جانبا من الصورة المضللة حين يُخلط الإسلام بالديمقراطية، ففي الوقت الذي يُنتهك فيه (العِرض) البشري في ظلال الديمقراطية، وباسم حقوق الإنسان وحريته، يجعل الشرع الشريف حماية هذا العرض ضرورة عظمى من الضرورات الخمس التي إذا اختلت اختل البناء بأسره، ويجعل عقوبة العابثين بالأعراض أشد العقوبات، ثم يريد مزوِّرو الحقيقة أن يصدقهم الناس حين يخلطوا ديمقراطيتهم العابثة بدين الإسلام - الحامي الأكبر للعرض البشري - كما أرادوا أن يصدقهم الناس بدعواهم تطابق ما بين الإسلام وبين الديمقراطية في مفهوم (الحرية) وهم يرون أن ما يسمَّى بالحرية في الغرب بلغ من التسيُّب حدّاً سُمِح فيه لعُبَّاد الشيطان أن يمارسوا طقوس عبادتهم الهمجية المنحطة بلا نكير، لأن التعددية والأفق الديمقراطي لا يضيق عن السماح بممارسة هذا اللون من العبادة، ولو كانت للشيطان عدو الإنسان الأول، وبعد ذلك كله يقول المزوّرون: إن الإسلام كالديمقراطية قد جاءا بالحرية وبحقوق المرأة، فوجوه الألفة بينهما قوية! ويلوون كعادتهم نصوص الشرع الشريف لتثبيت أكذوبتهم المكشوفة.