حسن البنا (ت 1368هـ - 1949م)
نشر عام 1359هـ
ليس المهم في الحقيقة أن نعرف رأي الإسلام في المرأة والرجل، وعلاقتهما، وواجب كل منهما نحو الآخر، فذلك أمر يكاد يكون معروفًا لكل الناس؛ ولكن المهم أن نسأل أنفسنا، هل نحن مستعدون للنزول على حكم الإسلام؟
الواقع أن هذه البلاد وغيرها من البلاد الإسلامية تتغشَّاها موجة ثائرة قاسية من حب التقليد الأوربي، والانغماس فيه إلى الأذقان. ولا يكفي بعض الناس أن ينغمسوا هذا الانغماس في التقليد، بل هم يحاولون أن يخدعوا أنفسهم بأن يديروا أحكام الإسلام وفق هذه الأهواء الغربية، والنظم الأوروبية، ويستغلوا سماحة هذا الدين، ومرونة أحكامه استغلالاً سيئًا، يخرجها عن صورتها الإسلامية إخراجًا كاملاً، ويجعلها نظمًا أخرى، لا تتصل به بحال من الأحوال، ويهملون كل الإهمال روح التشريع الإسلامي، وكثيرًا من النصوص التي لا تتفق مع أهوائهم.
هذا خطر مضاعف في الحقيقة، فهم لم يكفهم أن يخالفوا، حتى جاءوا يتلمَّسون المخارج القانونية لهذه المخالفة، ويصبغوها بصبغة الحِلِّ والجواز، حتى لا يتوبوا منها، ولا يقلعوا عنها يومًا من الأيام.
فالمهم الآن أن ننظر إلى الأحكام الإسلامية نظرًا خاليًا من الهوى، وأن نعدَّ أنفسنا ونهيئها لقبول أوامر الله تعالى ونواهيه، وبخاصة في هذا الأمر الذي يعتبر أساسيًّا وحيويًّا في نهضتنا الحاضرة.
وعلى هذا الأساس لا بأس بأن نذكِّر الناس بما عرفوا، وبما يجب أن يعرفوا من أحكام الإسلام في هذه الناحية.
أولاً: الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، وهذه قضية مفروغ منها تقريبًا؛ فالإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها، واعتبرها أختًا للرجل وشريكة له في حياته، هي منه وهو منها: {بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها ... وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية، له حقٌّ، وعليه واجب، يُشكر إذا أدَّى واجباته، ويجب أن تصل إليه حقوقه، والقرآن والأحاديث فياضة بالنصوص التي تؤكد هذا المعنى وتوضِّحه.
ثانيًا: التفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعًا لفوارق الطبيعة التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة، وتبعًا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما، وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما.
وقد يقال: إن الإسلام فرَّق بين الرجل والمرأة في كثير من الظروف والأحوال، ولم يسوِّ بينهما تسوية كاملة، وذلك صحيح؛ ولكنه من جانب آخر يجب أن يلاحظ أنه إن انتقص من حقِّ المرأة شيئًا في ناحية، فإنه قد عوَّضها خيرًا منه في ناحية أخرى، أو يكون هذا الانتقاص لفائدتها وخيرها قبل أن يكون لشيء آخر، وهل يستطيع أحد- كائنًا من كان- أن يدَّعي أن تكوين المرأة الجسماني والروحي كتكوين الرجل سواء بسواء؟ وهل يستطيع أحد- كائنًا من كان- أن يدَّعي أن الدور الذي يجب أن تقوم به المرأة في الحياة هو الدور الذي يجب أن يقوم به الرجل ما دمنا نؤمن بأن هناك أمومة وأبوة؟ ..
ثالثًا: بين المرأة والرجل تجاذب فطري قوي هو الأساس الأول للعلاقة بينهما، وإن الغاية منه قبل أن تكون المتعة وما إليها، هي التعاون على حفظ النوع، واحتمال متاعب الحياة.
وقد أشار الإسلام إلى هذا الميل النفساني وزكَّاه، وصرفه عن المعنى الحيواني أجمل الصرف إلى معنى روحي، يعظِّم غايته، ويوضِّح المقصود منه، ويسمو به عن صورة الاستمتاع البحت إلى صورة التعاون التام، ولنسمع قول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
.. هذه هي الأصول التي راعاها الإسلام وقرَّرها في نظرته إلى المرأة، وعلى أساسها جاء تشريعه الحكيم كافلاً للتعاون العام بين الجنسين، بحيث يستفيد كل منهما من الآخر، ويعينه على شئون الحياة.
والكلام على المرأة في المجتمع في نظر الإسلام يتلخَّص في هذه النقط:
أولاً: يرى الإسلام وجوب تهذيب خلق المرأة، وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة، ويحثُّ الآباء وأولياء أمور الفتيات على هذا، ويعدهم عليه الثواب الجزيل من الله، ويتوعدهم بالعقوبة إن قصروا. وفي الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وفي الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ... ) ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة)
ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن: كالقراءة، والكتابة، والحساب، والدين، وتاريخ السلف الصالح، رجالاً ونساء، وتدبير المنزل، والشئون الصحية، ومبادئ التربية، وسياسة الأطفال، وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها. وفي حديث البخاري رضي الله عنه: (نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). وكان كثير من نساء السلف على جانب عظيم من العلم والفضل والفقه في دين الله تبارك وتعالى.
أما المقالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه، وخير لها أن تصرف وقتها في النافع المفيد. ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة. وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيرًا. وليست المرأة في حاجة إلى التبحر ودراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس.
ثانيًا: التفريق بين المرأة وبين الرجل:
يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققًا، فهو يباعد بينهما إلا بالزواج؛ ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي، لا مجتمع مشترك.
سيقول دعاة الاختلاط: إن في ذلك حرمانًا للجنسين من لذة الاجتماع، وحلاوة الأنس التي يجدها كل منهما في سكونه للآخر، والتي توجِد شعورًا يستتبع كثيرًا من الآداب الاجتماعية؛ من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطباع .. إلخ.
وسيقولون: إن هذه المباعدة بين الجنسين ستجعل كلاًّ منهما مشوقًا أبدًا إلى الآخر؛ ولكن الاتصال بينها يقلِّل من التفكير في هذا الشأن، ويجعله أمرًا عاديًّا في النفوس (وأحب شيء إلى الإنسان ما مُنع) وما ملكته اليد زهدته النفس.
كذا يقولون ويُفتن بقولهم كثير من الشبَّان، ولا سيما وهي فكرة توافق أهواء النفوس، وتساير شهواتها، ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا نسلم بما ذكرتم في الأمر الأول نقول لكم: إن ما يعقب لذة الاجتماع بحلاوة الإنس من ضياع الأعراض، وخبث الطوايا، وفساد النفوس، وتهدُّم البيوت، وشقاء الأمر، وبلاء الجريمة، وما يستلزمه هذا الاختلاط من طراوة في الأخلاق، ولين في الرجولة، لا يقف عند حدِّ الرقَّة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حدِّ الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر.
كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولى، ولا سيما إذا كانت المصلحة لا تعدُّ شيئًا بجانب هذا الفساد.
وأما الأمر الثاني فغير صحيح، وإنما يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديمًا قيل: إن الطعام يقوي شهوة النهم. والرجل يعيش مع امرأته دهرًا، ويجد الميل إليها يتجدد في نفسه؛ فما باله لا تكون صلته بها مُذهبة لميله إليها، والمرأة التي تخالط الرجال تفتنُّ في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها، وهذا أيضًا أثر اقتصادي من أسوأ الآثار التي يعقبها الاختلاط، وهو الإسراف في الزينة والتبرج المؤدي إلى الإفلاس والخراب والفقر. لهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن. ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد، وحضور الجماعة، والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحدِّ، واشترط له شروطًا شديدة من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به فلا تصف ولا تشف. ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما كانت الظروف، وهكذا.
.ولقد أخذ الإسلام السبيل على الجنسين في هذا الاختلاط أخذًا قويًّا محكمًا. فالستر في الملابس أدب من آدابه. وتحريم الخلوة بالأجنبي حكم من أحكامه. وغض الطرف واجب من واجباته. والعكوف في المنازل للمرأة حتى في الصلاة شعيرة من شعائره. والبعد عن الإغراء بالقول والإشارة وكل مظاهر الزينة، وبخاصة عند الخروج- حد من حدوده.
كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة وهي أحب الفتن إلى نفسه، وأن تسلم المرأة من فتنة الرجل وهي أقرب الفتن إلى قلبها، والآيات الكريمة والأحاديث المطهرة تنطق بذلك.
يقول الله- تبارك وتعالى- في سورة النور: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:30 - 31].
وفي سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]. إلى آيات أخرى كثيرة.
. وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم، والمراد بدخول الأحماء على المرأة: الخلوة بها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني زانية) ... (وكل عين زانية) أي: كل عين نظرت إليها نظرة إعجاب واستحسان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري ... والطبراني، وعنده: (أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسًا، فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك، فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. [الحشر: 7] رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية للبخاري ومسلم: (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم وغيره.
. وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي. فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل. وليس بعد هذا البيان بيان
يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة، وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا، فائتوني بنص يحرم ذلك. ومثل هؤلاء مثل من يقول: إن ضرب الوالدين جائز؛ لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما أفٍّ، ولا نص على الضرب.
إن الإسلام يحرم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها، وأن تخالط سواها، ويحبِّب إليها الصلاة في بيتها، ويعتبر النظرة سهمًا من سهام إبليس، وينكر عليها أن تحمل قوسًا متشبهة في ذلك بالرجل؛ أفيقال بعد هذا إن الإسلام لا ينص على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة؟!
إن الإسلام يرى للمرأة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تُهيَّأ لمستقبلها الأسري، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته وملكته، ومتى فرغت المرأة من شئون بيتها لتقوم على سواه؟ فإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة، ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظامًا عامًّا من حقِّ كل امرأة أن تعمل على أساسه. والكلام في هذه الناحية أكثر من أن يحاط به، ولا سيما في هذا العصر الميكانيكي الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة، وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب، وفي كل دولة.
وللإسلام بعد ذلك آداب كريمة في حق الزوج على زوجه، والزوجة على زوجها، والوالدين على أبنائهما، والأبناء على والديهم، وما يجب أن يسود الأسرة من حب وتعاضد على الخير، وما يجب أن تقدِّمه للأمة من خدمات جلي، مما لو أخذ الناس بها لسعدوا في الحياتين ولفازوا بالعبادتين.