وفى الوقت نفسه تقول الرأسمالية: إن الدول الشيوعية ليست ديمقراطية، لأن كل سلطاتها تنحصر في قبضة قليلة واحدة من الشعب وهي الحزب الشيوعي؛ ولذلك لا تحسب الدول الشيوعية في عداد العالم الحر.
هذا بالإضافة إلى الانقسامات داخل الدول الديمقراطية الليبرالية.
2 - الأحزاب المتشاحنة التي لا تعبر عن إرادة الأمة:
إن الواقع المحسوس لينطق بصراحة بأن النظام الديمقراطي يقضي على وحدة الأمة، ويفتتها إلى تكتلات متناحرة وأحزاب متطاحنة لأسباب لم تكن لتستدعي التكتل والتحزب لولا أن النظام نفسه يشجع على ذلك ويهيئه، ومع خطورة هذا التمزق على الأمة؛ فإنه ينبني عليه أثر خطر بالنسبة لتحقيق مصالح الشعب.
وذلك أن الدول الديمقراطية الغربية يوجد بها نوعان من الأنظمة:
- نظام الحزبين، ونظام الأحزاب المتنافسة، وندع الكلام حول عيوب النظامين كليهما لهارولد لاسكي المشار إليه: "في إنجلترا مثلاً إذا اقتصر الأمر على حزبي المحافظين والعمال، فسوف يضطر كثير من الموظفين لأن يختاروا بين بديلين، ليس بينهم وبين أحدهما تجاوب كامل خلاق، ولهذا السبب ينهض الادعاء بأن نظام الأحزاب المتعددة الذي يسمى عادة بنظام المجموعة يتلاءم مع انقسام الرأي بصورة أكثر فاعلية.
ولكن بناء على خبرتنا بنظام المجموعة - كما في فرنسا وحكومة ويمار في ألمانيا - يبدو أنه مصحوب دائما بعيبين خطيرين، ويكمن أكثر هذين العيبين أهميةً في أن هذا النظام عندما يعمل تكون الطريق الوحيدة التي يتحكم بها في السلطة التشريعية هي تنظيم نوع من الائتلاف بين المجموعات ... ويكون من نتيجة ذلك أن يستعاض عن تحمل المسئولية بالمناورات وأن تصبح السياسة مجردة من التماسك وسعة الأفق
والعيب الثاني الذي يظهر بدرجة ملحوظة في فرنسا هو أن نظام المجموعة يميل إلى تجميع السلطة حول الأشخاص أكثر من تجميعها حول المبادئ".
3 - إيجاد طبقة ثرية مسيطرة دكتاتورية:
هذا العيب الخطر ملازم للأنظمة الديمقراطية الغربية، وهو أجلى عيوبها وأبرزها، وبه تتذرع الشيوعية في هجومها على العالم الليبرالي، كما تستغله الأحزاب اليسارية داخل هذه الدول نفسها.
من الحقائق المقررة عالمياً أن المصالح المادية هي الدافع الوحيد والمحرك الرئيسي للعمل السياسي، وكل دول العالم الديمقراطي لا تخفي حقيقة أنها تعمل جاهدة لحماية امتيازاتها، وضمان تفوقها الاقتصادي، وتوفير المجال الحيوي لشعبها، وهذا هو القناع الظاهري الذي تتستر به إمبراطوريات المال في هذه الدول، والتي تتحكم في السياسة الخارجية والداخلية مباشرة، أو بطريق الضغط على السلطة الحاكمة.
وفيما يحسب الشعب أنه سيد نفسه ومقرر مصيره، تقوم الطبقة الرأسمالية المحتكرة بسن القوانين لحماية مصالحها، والزج بسياسة الدولة فيما يخدم أغراضها النفعية الخاصة.
يقول لاسكى:
إن الدولة الديمقراطية تبذل الكثير في سبيل تحقيق المساواة بين الموطنين فيما تمنحهم من ضمانات، كما تتجه أوامرها القانونية إلى حماية الملكية القائمة للامتيازات أكثر مما تعمل على توسيع نطاقها، فانقسام المجتمع إلى فقراء وأغنياء يجعل أوامر الدولة القانونية تعمل لصالح الأغنياء ... إذ أن نفوذهم يرغم نواب الدولة وذوي السلطة فيها على أن يكون لرغباتهم الاعتبار الأول.
وتعبر الدولة عن رغبات أولئك الذين يسيطرون على النظام الاقتصادي، فالنظام القانوني بمثابة قناع تختفي وراءه مصلحة اقتصادية مسيطرة لتضمن الاستفادة من النفوذ السياسي، فالدولة أثناء ممارستها لسلطتها لا تعمد إلى تحقيق العدالة العامة أو المنفعة العامة، وإنما تعمل على تحقيق المصلحة للطبقة المسيطرة في المجتمع بأوسع معاني هذه المصلحة.