ناصر العلي
جامعة أم القرى
1 شعبان 1431هـ
الإصلاحُ كلمةٌ لها بريقُها ورونقُها، {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}. والفساد ممقوتٌ ممجوجٌ، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. وكفى بالإصلاح شرفًا ومطلبًا أن يدَّعيَه كلُّ أحد، ولو كان منافقًا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}
ولأن مركبَ الإصلاح مُوَطَّأُ الأكناف، استوى على ظهره، وامتطى صهوةَ جوادِه كلُّ زاعم للإصلاح، سواء ممن في قلبه مرض، أو ممن حسنت سريرته، لكنه حاد عن جادَّة الطريق: "فكم من مُريدٍ للخير لا يصيبه! ".
فأما الذين في قلوبهم مرض، وفي منهجهم دَغَل، وفي تفكيرهم خلل، فبينهم وبين المؤمنين بُعْدُ المشرقين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}.
لماذا؟؛ لأن مرجعية التحاكم متضادة، هم يحاكمون الناس إلى العقل والليبرالية والغربية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}، بينما علماء الشريعة يقولون لهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}.
ولهذا فلا غَرْوَ أن ابتدع التغريبيون تصنيف المجتمع إلى: إصلاحيين (يعنون أنفسهم، ومن دار في فَلَكِهِم من الشرعيين المنفتحين المتساهلين المتلاينين)، ومحافظين (يعنون العلماء والدعاة الجامدين التقليديين المعوقين مسيرة الإصلاح في نظرهم).
وأَيْمُ الله! {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى}؛ لأن وصفَ المؤمنين - من الأنبياء والعلماء والصالحين - بالفساد، ونَزْعَ صفةِ الصلاح عنهم غَدْرةٌ يهوديةٌ: {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ}، وهي أيضا شِنْشِنَةٌ فرعونيةٌ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}.
لكنَّ اللهَ جلَّ جلالُه - الذي يعلمُ المصلحَ من المفسد - حدَّدَ معيارًا كاشفًا لحقيقة الإصلاح في قوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}. ولهذا كان الأنبياء - والعلماء ورثة الأنبياء - هم الإصلاحيين الحقيقيين، قال شعيب عليه السلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}. وقال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.