عبد الوهاب آل غظيف
28 رمضان 1431هـ
سلسة من الإجراءت التي تصنف في دائرة التضييق تم إيقاعها مؤخرا بعدد من رجالات العلم والدعوة، تمثلت في حجب مواقع، وإيقاف قنوات، وخدمات تواصلية كرسائل الجوال وغير ذلك، وربما نسمع مزيدا في قابل الأيام، وقد كانت مثارا لكثير من الأسئلة، وكثير من التعليقات التي تمحورت حول هوية هذه الإجراءات وهل كانت بدافع من الغيرة على الدين وصيانة الفتوى (فأينها عن عبث الليبراليين بالدين؟) وما علاقتها بموقف المشايخ أنفسهم من الحريات والحجر على الآراء، وكذلك التنبؤ بمآلاتها بعد صدور الآلية التطبيقية للتوجيه الملكي من قبل سماحة المفتي بعد العيد كما وعدنا، في أشياء أخر كانت حديث الناس بعد هذه الوقائع.
وبين يدي وقفة متواضعة: لأمهد بما هو ذكرى للمؤمنين، محذراً من التعلق بالماديات والأسباب بعيدا عن مسببها سبحانه، فليس شيء من العقبات المادية كفيلا بأن يفت في عضد أهل الحق أو يخذلهم عن الحق الذي معهم أو يعيق همتهم في الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، فإن مما يحمده الرب ويحبه أن يغالب عباده المشاق ويتحملون الأذى في سبيل الدعوة إليه، ولقد كلفهم سبحانه بذلك ووعدهم في كتابه وعلى لسان رسوله بمضاعفة الثواب، ولم يطلب منهم ولا كلفهم أن يسيطروا على الناس أو يضمنوا قبولهم الدعوة وأخذهم بها، ولذا كانت هذه المعوقات المادية كلها بأمر الله الكوني وتحت تدبيره، ليرى من أوليائه صدق الإيمان والثبات على الحق وقوة التمسك به والثقة بالله وليرى منهم اطراح التعويل على الماديات وعدم الركون إليها
هذا الحديث الناظر بعين الإيجابية لواقعِ مقدرٍ، يجري في نسق واحد مع الحديث الإيجابي في الجهة الأخرى، الجهة التي تكون فيها الحصانة لأهل الحق كما هي لأهل الباطل، التي يساوى فيها بين الحق والباطل في ضمانات التعبير، جهة الحرية الوضعية التي يبررها أصحابها بقولهم: إنه (لا خوف على الحق منها، لأنها ستكون مجالا للتدافع وفي النهاية لن يسبق الباطلُ فيها الحقَ)، حسنا .. نفس الكلام يردده المناوئون للحرية الوضعية حال فرضها، وهو - كسابقه المسلي حال القمع - ينظر بعين الإيجابية للواقع الذي تختلط فيه الأفكار، وكما لا يحتمل الكلام الأول أي قدر من تبرير أو تشريع حالة القمع، فكذلك الثاني لا يحتمل تبريرا للحرية الوضعية ولا تشريعا لها، هو كلام متجه لوصف الحسن من الحالتين فحسب، ولا يعني أنه لا توجد حالة ثالثة أفضل منهما، تكون هي المشروعة والمبررة، يطرح فيها ما لا يحتمله الشرع من رأي، ويكفل فيها حق التعبير لكل رأي لا يخالف الشرع، تمييزا للحق عن الباطل، ودفعا للباطل عن الحق.
(انخرط البعض في تدبيج مواعظ الحريات) التي تنطوي على قدر لا بأس به من لوم المشايخ وتأنيبهم كونهم لم يطالبوا بالحريات ولم يكفلوها في خطابهم الدعوي، بل ساغ فيه قمع الآراء المخالفة لهم، فكان ما يتجرعونه الآن نتيجة لهذا الخطاب، ونتيجة لمطالباتهم بالحجر على الآراء، وصاحب ذلك اللوم روح من الثقة دفعتهم إلى التلويح بالحل السحري الذي يملكونه وهو الكفيل بإنهاء أزمة المشايخ، والمتمثل في ضمان الحرية، لا حرية التعبير بالحق فحسب، بل (الحرية للجميع) كما كتبوها في تعويذاتهم.
ونحو الوقوف على حقيقة الدعوى بطرفيها (أن خطاب المشايخ هو سبب ما حصل لهم وأن الحل يكمن في الحرية) لا بد لنا من تمييز موقف هؤلاء إلى مستويين:
الأول: المطالب بضمان الحرية للجميع في الخطاب الدعوي وتبديل الموقف من الحرية.
الثاني: المطالب بضمان حرية الاختلاف الفقهي، ويعزوا ما حدث إلى المطالبة بالحجر على الأقوال الشاذة.