فهد بن صالح العجلان
(نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية) و (لا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية).
وعبارات أخرى مختلفة، ستسمعها - ولا بد - عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية؛ فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد - في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له - أن يرفع لافتة (المقاصد الشرعية) كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية.
المقاصد الشرعية التي كتب فيها فقهاء الإسلام بدءاً من الجويني والغزالي والعز بن عبد السلام والقرافي وشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي تختلف اختلافاً تاماً عن هذه المقاصد التي يُشِيع كثير من الناس الحديث فيها؛ فالمقاصد عند فقهاء الإسلام قواعد كلية مستخرَجة من استقراء كلي لكافة النصوص والأحكام الجزئية، ولا يصح أن يُردَّ بها أيُّ حكم أو نص جزئي، بخلاف هذه المقاصد التي تترِجم المقاصدَ التي تريدها (نفوسهم) وتميل إليها (اختياراتهم) ويسعون من خلالها لرد جملة من النصوص والأحكام غير المرغوب فيها.
من أهم قواعد المقاصد الشرعية أن لا يُردَّ بها أي حكم جزئي، فإذا ثبت نص شرعي أو حكم فقهي فلا يجوز أن يُنقَض ويُتجاوَز بدعوى أنه مخالف لقاعدة مقاصدية؛ فهذا باطل لا علاقة له بعلم المقاصد (فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكماً شرعياً ليس بحق في نفسه) (?).
وإذا كانت المقاصد الشرعية تقوم على ضرورة اعتبار (الكليات) فإنها تقوم على اعتبار الجزئيات كذلك (كما أن من أخذ بالجزئي مُعرِضَاً عن كليِّه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي مُعرِضَاً عن جزئيِّه) (?).
فالمقاصد الشرعية تعتمد على تفاصيل الأحكام الجزئية، تقوم عليها، ولا تنكرها، بل حتى ولو وُجِد تعارض بين قاعدة مقاصدية وحكم جزئي تفصيلي فإن المنهج الصحيح في ذلك ليس إنكار الجزئي بل (إذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة فلا بد من الجمع في النظر بينهما) (?).
فإذا وصل الأمر إلى حصول تعارض بين (الكليات) و (الفروع) فهذا يستدعي الجمع بينهما لأهمية كلٍّ من الكليات والفروع التفصيلية، وهو شيء لا يفهمه (مقاصديو النفوس)؛ حيث ينكرون النصوص والأحكام الشرعية ثم يبحثون بعد هذا عن الطريقة المقاصدية المناسبة لرفض مثل هذه الأحكام!
لقد كان الشاطبي مدركاً غاية الإدراك خطورة استعمال المقاصد من غير المؤهلين، ولأجله منعهم من موافقاته وجعلهم في حرج من قراءته أو الاستفادة منه: (لا يُسمَح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظرَ مفيدٍ أو مستفيدٍ حتى يكون ريَّان من علم الشريعة؛ أصولها وفروعها، معقولها ومنقولها) (?).
كما أطال الحديث عن ضرورة العناية بالجزئيات، وأن المقاصد لا تقوم إلا عليها، وهذا كله لإدراكه أن طبيعة المقاصد وما فيها من كليات عامة يستدعي دخولَ غير المؤهلين واستغلالَ بعض المنحرفين، وهو ما يؤدي إلى تعطيل الشريعة، وهذا ما دعا بعض المنحرفين الذين يفهمون حقيقة المقاصد الشرعية أن يسمي المقاصد بأنها (تبرير) للأحكام الشرعية ليس إلا، وقد صدق؛ فالمقاصد ليست إلا بحثاًَ عن (فلسفة) لقواعد وعلل للشريعة من خلال الأحكام والنصوص، فإذا وُجِد نص مخالف فإن المقاصد تعدَّل في (الفلسفة) حتى تدخل هذا الحكم لا أن تلغيه لمخالفته للمقاصد.