مجتمع تزيغ فيه العقائد حيث الذهاب للسحرة والاستعانة بهم، وتضيع فيه معاني الولاء والبراء حيث يقدم الولاء للتراب على الولاء للعقيدة، ويتعيش من المال الحرام حيث يشيع التعامل بالربا، وتفسد الأخلاق حيث يشيع الاختلاط، وتضيع معاني الرجولة حيث الاستماع للأغاني المصحوبة بآلات الطرب، وغير ذلك مما يترتب على تلك الفتاوى، فلو تصورنا المجتمع وقد وصل إلى تلك الحالة جراء تلك الفتاوى بعد علينا تصور أن ذلك المجتمع ينتمي إلى المنظومة الإسلامية

علاج ذلك:

الفتاوى التغيرية تحتاج إلى علاج ناجع يكف ضررها عن الملة والأمة، علاج تشارك فيه أكثر من جهة:

1 - جهة المستفتين: وذلك بنشر الوعي بينهم حيث لا يستفتون إلا من يُوثق في دينه وأمانته وعلمه، ولا يكتفون في ذلك بمجرد ظهوره في فضائية، أو بقدرته الوعظية، فالفتوى غير الوعظ وغير الترغيب والترهيب، والفتوى أمرها خطير ولو كانت في أمر يظن الناس أنه سهل، وقد كان يتهيب من الإقدام عليها كثير من أهل العلم فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول" فلا ينبغي للمستفتي أن يسأل إلا ثقة ولا يقبل منه قولا إلا أن يبين له دليله إن كان يفهم الدليل، أو يبين له عمن أخذه من أهل العلم، وعلى المستفتي أن يعلم أن أغلب من يفتي مهما بلغ علمه فليس مجتهدا مطلقا وإنما هو تابع لمذهب من المذاهب المعروفة، ومن ثم فليس له إلا أن ينقل عن المذهب، ولو أن المستفتي طلب من المفتي أن ينقل له نص إمامه أو نص المذهب لمنع المفتي من كثير من الفتاوى التي يطلقها بغير زمام ولا خطام قد يقول المفتي: ما قلته هو نص الحديث النبوي، ورغم إقرارنا أن الحديث الصحيح حجة بنفسه ولا يحتاج في ذلك أن يكون قال به قائل، لكننا قد لا نثق في تطبيق المفتي للحديث على الواقعة المعروضة، لذا نطلب منه أن يخبرنا مَن من أهل العلم قبله فهم من الحديث الفهم الذي يقول به.

2 - جهة المفتين: حيث يعلم المفتي الخطورة التي وضع نفسه فيها بارتقائه ذاك المرتقى الصعب، كما جاء في الحديث: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار" قال المناوي: "لأن المفتي مبين عن الله حكمه فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار"

وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} (يوسف: 59) قال الزمخشري: كفى بهذه الآية زاجرة زجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيها، وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله تعالى"، وقال ابن المنكدر: "المفتي يدخل بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر".

3 - جهة الولاية: حيث إن ولاة أمر المسلمين مكلفون بالحفاظ على دين المسلمين كما هم مكلفون بالحفاظ على دنياهم، لذا فإن من واجب ولاة الأمر الحجر على المفتين الذين يفسدون بفتاواهم الدين، وذلك كالمفتين الذين يفتون بالأقوال الشاذة ويتتبعون زلات العلماء، أو الذين يعلمون الناس الحيل حتى يتفلتوا من الأحكام الشرعية، أو الذين يفتون وهم غير مؤهلين للفتيا، ورحم الله ربيعة شيخ مالك حينما قال: لَبعض من يفتي هنا أحق بالسجن من السراق، ورحم الله الحنفية عندما أفتوا بالحجر على المفتي الماجن (الماجن: من لديه الآلة الفقهية لكن تنقصه الأمانة العلمية، فيفتي الناس بما يحبون ويدلهم على الحيل)، وقالوا: هو أحق بالحجر من الذي يمارس الطب وليس بطبيب، فإذا كان من يتطبب وليس هو بطبيب يفسد الأبدان، فإن من يفتي وليس هو بمفت حقيقة يفسد الأديان.

نسأل الله تعالى من فضله أن يحمي مجتمعاتنا من زلل الفتوى وخطلها وأن يوفق أهل العلم لقول الحق والثبات عليه، وألا يضعفوا أمام الواقع فيكون دورهم البحث عن مخارج له لا قيادته وتغ ييره ليكون موافقا لشرع الله تعالى.

المصدر: مجلة البيان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015