أحمد بن عبد الرحمن الصويان
10شوال1431هـ
من الظواهر التي لا تكاد تخطئها العين في ساحتنا الدعوية: بروز أفراد يحملون فكراً (إسلامياً)، لكنه فكر قلق غير متوازن يزداد جنوحاً وتفلُّتاً؛ كلما زادت الموضوعات التي يعالجونها. والطريف أن بعضهم يفتعل حولها أحياناً معارك جانبية، ويغرق في منازلات عنترية، ويُشعِرون أنفسهم ومَنْ حولهم بأنهم يحملون لواء التجديد الفكري والإصلاح المنهجي، ثم تراهم يجتهدون في تكبير الصغار، واصطناع الرموز!
أهم ما يميز هؤلاء: أنهم يطرحون خطوطاً عريضة بعناوين كبيرة، تشوبها الضبابية وعدم الوضوح، لا تخلو غالباً من تباين وتناقض. وحقيقة الحال أن كثيراً من هؤلاء لا يدرون ما يريدون، ولا إلى أين يسيرون؟ بل إن غاية ما عندهم: الانقلاب على الذات، ومحاولة التفلت من تبعات البيئة الدعوية التي نشؤوا وترعرعوا فيها.
من أهم أسباب هذا القلق والاضطراب:
أولاً: ضعف البناء الشرعي والفكري: وهو ما يؤدي إلى خللٍ وقصور في فهم النصوص والأحكام الشرعية، واضطرابٍ في أخذها والاستدلال بها، بل أبعد من ذلك؛ حيث نرى في أرائهم أحياناً أن بعض الأفكار المعاصرة وقيم الفكر الغربي ومصطلحاته هي الأصل الذي يُحتَكَم إليه، والمعيار الذي توزن به الاجتهادات. وقد لا يتجرؤون على رد النصوص الشرعية التي تخالفها، لكنهم قد يتكلفون الحيدة عنها، أو التأويل والتعسف في فهمها والاستدلال بها.
وصنيع هؤلاء مما حذرنا منه المولى - جل وعلا - في قوله: {كِتَابٌ أُنزِلَ إلَيْكَ فَلا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 2 - 3]، وهو مخالف لأمر الله ـ عز وجل ـ بالتسليم التام للنصوص الشرعية، كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 63].
وضعف العلم الشرعي أحد الأسباب الرئيسة لتطاول بعض هؤلاء المتفيهقين، ثم انحرافهم عن جادة الصواب؛ وهذا أحد مقتضيات قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقَ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (?).
وأحسب أن بعض هؤلاء ممن يتطلع إلى الوصول إلى الحق ويحرص عليه، لكن الأمر كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (كم من مريد للخير لن يصيبه) (?)؛ ولهذا فإن الواجب أن يستوفي الباحث الشروط العلمية للوصول إلى الحق؛ ليسلم بإذن الله - تعالى - من الشطط والانحراف.
ثانياً: الانفتاح غير الواعي على مصادر فكرية ومعرفية جديدة عليهم (مثل كتابات الجابري وحسن حنفي والعروي ... ونحوهم): وجعل كتابات هؤلاء ندّاً لكتابات أئمة الإسلام الأثبات المجمَع على إمامتهم. فتنشأ عندهم حيرة مردُّها إلى الشبهات المثارة، ثم تتوالد لديهم بعض الأسئلة والمشكلات الفكرية والمنهجية التي لم يحسنوا الإجابة عنها أو التعامل معها.