كتاب المتشددون منهجهم ومناقشة أهم قضاياهم

لعلي جمعة

عرض ونقد

بينما تُشن على الدعوة السلفية حملة شعواء ويُطعن في السلفيين من قبل العلمانيين والليبراليين وبعض التوجهات الأخرى، يؤثِر مفتي مصر علي جمعة أن يكون في صف هؤلاء كما كان غالبًا، فيخرج علينا بكتاب عن السلفيين واصفًا لهم بصفة التشدد.

وإذا كان مفتي مصر يصف السلفيين بالتشدد فمن حق السلفيين أيضا أن يصفوه بالتساهل، وتتبع رخص العلماء وزلاتهم، والتمييع لقضايا الدين، إلا أن وصفه لهم- بالجملة- كذب وبهتان ووصفهم له حقٌّ ببرهان، ومن ذلك:

1 - فتواه بأن الاختلاط بين الشباب والفتيات في قاعة الجامعة ليس حرامًا.

2 - فتواه بأن طلاق المصريين لا يقع؛ لأنهم ينطقون كلمة طالق بالهمز.

3 - منعه من ختان الإناث بينما كان يجيزه قبل تولي منصب الإفتاء.

4 - مهاجمته النقاب وادعاؤه أنه عادة خلافًا لقوله قبل تولي المنصب.

5 - تجويزه فوائد البنوك الربوية.

6 - إباحته بيع المسلم الخمور في غير الدول الإسلامية.

7 - إباحته ترقيع غشاء البكارة.

8 - تجويزه تولي النصراني رئاسة بلد إسلامية.

9 - إنكاره الشديد هدم بعض الأضرحة لا خشية الفتنة بل لتجويزه بقاءها.

فحُقَّ لمن هذا حاله أن يصف المستمسكين بالكتاب والسنة والسائرين على مذهب السلف بالتشدد. وقبل البدء في عرض بعض ما جاء في الكتاب نقول حتى يكون القارئ على بينة وحتى لا يستغرب ما جاء فيه من آراء نقول إن مؤلفه أشعري المعتقد صوفي المسلك.

تحت عنوان (سمات المتشددين في العصر الحديث) يقول: ((نرى آراء أغلب من تسموا بالسلفيين واتجاهاتهم وسلوكهم ومواقفهم وأحكامهم على الأشياء باطلة)). وفي هذا من البهتان مافيه.

ويقول أيضا عن السلفيين: ((أنهم يتبنون فكراً صداميًّا، وهذا الفكر الصدامى يفترض أموراً ثلاثة وهى:

أولا: أن العالم كله يكره المسلمين، وأنهم في حالة حرب دائمة للقضاء عليهم، وأن ذلك يتمثل في أجنحة الشر الثلاثة الصهيونية (يهود) والتبشير (نصارى) والعلمانية (إلحاد)، وأن هناك مؤامرة تحاك ضد المسلمين في الخفاء مرة وفى العلن مرات، وأن هناك استنفاراً للقضاء علينا مللنا من الوقوف أمامه دون فعل مناسب.

ثانيا: وجوب الصدام مع ذلك العالم حتى نرد العدوان والطغيان، وحتى ننتقم مما يحدث في العالم الإسلامي هنا وهناك، ووجود الصدام يأخذ صورتين الأولى: قتل الكفار الملاعين، والثانية: قتل المرتدين الفاسقين، أما الكفار الملاعين فهم كل البشر سوى من شهد الشهادتين. وأما المرتدون الفاسدون فهم من شهد الشهادتين وحكم بغير ما أنزل الله وخالف فكرهم.

ثالثا: أن فكرهم يراد له أن يكون من نمط الفكر الساري، وهذا معناه أنه لا يعمل من خلال منظمة أو مؤسسة يمكن تتبع خيوطها بقدر ما يعمل باعتباره فكراً طليقاً من كل قيد يقتنع به المتلقي له في أي مكان، ثم يقوم بما يستطيعه من غير أوامر أو ارتباط بمركز أو قائد. وعليه فإن الفوضى سوف تشيع بصورة أقوى وتنتشر بصورة أعمق)). انتهى كلامه.

إن قول مفتي مصر في الفقرة الأولى مردود، فهل تعامى عن الحقيقة الشرعية والواقعية، فالله عز وجل يخبرنا عن هذه العداوة قائلا {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] ويقول {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] ويقول {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] أما الواقع فهو خير شاهد على هذه العداوة قديمًا وحديثًا، فالحروب الصليبية قديمًا، والاحتلال الأجنبي حديثًا، والمجازر التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وسراييفو وغيرها، وما يحدث للمسلمين في العراق وأفغانستان وباكستان والشيشان. وما يحصل في فلسطين وموقف أمريكا والغرب من اليهود ومساندتهم لهم. هذا بالنسبة للعدو الخارجي أما التيار العلماني والليبرالي فموقفه من التيار الإسلامي واضح للعيان لا ينكره إلا أعمى البصر والبصيرة.

ثم في الفقرة الثانية يقول إن السلفيين يرون وجوب الصدام مع ذلك العالم بقتل الكفار وقتل المرتدين. وهذا الكلام إنما صاغه بهذه الصورة ليشنع على السلفيين فهل ينكر المفتي الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، ثم إن كان ينكر جهاد الطلب، فهل ينكر جهاد الدفع وحق المسلمين في الدفاع عن بلدانهم المحتلة، ثم إنه من المعلوم أن الكفار أنواع فمنهم محاربون، وأهل عهد، وأهل ذمة ولكل واحد حكمه، فتعميمه الكلام عن السلفيين في هذه المسألة بهذه الصورة غير مقبول وفيه من التلبيس ما فيه.

أما المرتد فحكمه القتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ويقول الحافظ في الفتح: وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر أحد عليه .... اهـ. ومسألة الردة والحكم بغير ما أنزل الله فيها تفصيل معروف والحكم فيها يتوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع، خلافا لما يدعيه هذا المفتي من أنهم يحكمون بالردة على مخالفيهم.

ومن هرطقاته أيضاص في هذا الكتاب قوله: ((لقد أصبح توجه هؤلاء المتشددين عائقًا حقيقيًّا لتقدم المسلمين ولتجديد خطابهم الدينى وللتنمية الشاملة التى يحتاجها العالم الإسلامي عامة، ومصر على صفة الخصوص، وهذا التوجه المتعصب أصبح تربة صالحة للفكر المتطرف، وأصلًا للمشرب المتشدد الذي يدعو إلى تشرذم المجتمع وإلى انعزال الإنسان عن حركة الحياة، وأن يعيش وحده في خياله الذي غالبًا ما يكون مريضًا غير قادر على التفاعل مع نفسه أو مع من يحيط به من الناس. ويتميز هذا الفكر المتشدد بعدة خصائص تؤدى إلى ما ذكرنا، وترسم ذلك الموقف الذي يجب على الجميع الآن- خاصة- أن يقاوموه وأن يعملوا بكل وسيلة على إخراج أولئك من عزلتهم؛ لأنهم لم يعودوا ضارين لأنفسهم فقط، لكن ضررهم قد تعدى إلى من حولهم وإلى شباب الأمة ومستقبلها، وإلى المجتمع بأسره. هذا الفكر يريد أن يسحب مسائل الماضي في حاضرنا، وذلك تراه قد حول هذه المسائل إلى قضايا وإلى حدود فاصلة بينه وبين من حوله، وهذه القضايا يتعلق أغلبها بالعادات والتقاليد والأزياء والملابس والهيئات من طريقة الأكل والشرب إلى قضاء الحاجة واستعمال العطور.

وتؤثر هذه الخصيصة التي يستجلب مسائل الماضي وتسحبها وتجرها إلى الحاضر من ناحية، وتحول مجرد المسألة التي كانت في نطاق الماضي لا تعدو مسألة إلى قضية ندافع عنها وننافح من أجلها، وتكون في عقليته معياراً للتقويم وللقبول والرد، فمن فعلها فهو معه، ومن لم يفعلها فهو ضده، يشمئز منه وينفر ويعاديه، ويعيش في هذا الوهم، فيشتد انعزاله عمن حوله. ... ويرى أنه لابد عليه أن يزيد من نسله وأن يملأ الأرض صياحاً بأطفاله محاولًا بذلك أن يسد ثغرة اختلال الكم، حيث أنه يشعر بأنه وحيد وبأنه قلة، وبأن الكثرة الخبيثة من حوله سوف تقضى عليه وتكتم على أنفاسه، فيحاول أن يفر من ذلك بزيادة النسل، بل ويشيع بين أتباعه وأصحابه هذا المفهوم الذي يحدث معه الانفجار السكاني والتخلف التنموي)). انتهى كلامه.

والمفتي - علي جمعة- أولى بهذا من السلفيين فهو الذي يعيش في خياله بعيدا عن الحقيقة، فالسلفيون ليسوا في عزلة عن الحياة بل إنهم ينتمون إلى جميع التخصصات العلمية والمهنية ولو ذكر لنا مثالًا على ما يذكر ولكنه التعصب، نسأل الله السلامة والعافية.

وكأن المفتي ما زال متأثرًا بهذه النعرة القديمة والتي كان فيها بوقًا للحكومة المصرية السابقة بمحاربة زيادة النسل بدلًا من الدعوة إلى التنمية. إن الحد من زيادة نسل المسلمين هدف للغرب يسعون إليه بشتى الطرق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). بل إن كثرة الأمة نعمة يمتن الله عزو جل بها على عباده قال تعالى {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86]

ومن أقواله أيضًا: ((ومن خصائص هذا الفكر الانعزالي التشدد، فهو يرى أن الحياة خطيئة، وأنه يجب علينا أن نتطهر منها، وان التطهر منها يكون بالبعد عن مفرداتها، سواء أكانت هذه المفردات هي الفنون أو الآداب أو كانت هذه المفردات هي المشاركة الاجتماعية أو حتى تعلم أساليب اللياقة)). انتهى

ولا أدري عن أي طائفة يتكلم المفتي فالسلفيون في منأى عن هذا الوصف، وهو كلام عار عن الصحة، بعيد عن الواقع، وما مراده بالفنون والآداب؟ هل الغناء والرقص والعري؟ وهل يقصد بالمشاركة الاجتماعية مثل الاحتفال بعيد ميلاده في أحد أندية الليونز الماسونية بين الممثلين والمغنين؟ إن كان يقصد ذلك فحُق للسلفيين أن ينعزلوا عن مثل هذه المشاركات.

ويقول أيضا بعد أن يصفهم بامتلاك عقلية المؤامرة لمن حوله ضده مع اتصافهم بالكبر والعجب: ((من هذه الصفات أنهم يقفون ضد أي إصلاح في المجتمعات الإسلامية بدعوى أن كل جديد بدعة، وأن كل بدعة ضلالة، وأن كل ضلالة في النار، ويبتعدون دائماً عن جوهر الموضوع إلى النظر في مجرد الشكليات، ويعملون الهوى في فهم النصوص، ويضيقون على المسلمين حياتهم بتوسيع دائرة الحرام، ويخرجون عن النظام المعهود من إجلال المشايخ، إلى نظام غريب عجيب يجتهدون فيه من عند أنفسهم في الفقهيات، ويقلدون في العقائد، ويعظمون غير العلماء، ويحطون من شأن العلماء، ويتصدرون بما لا يزيد عن مائة مسألة لتفسيق الناس وتكفيرهم والدعوة إلى منابذتهم ومحاربتهم. لقد آن الأوان وحان الوقت لان يكون مقاومة هذا الفكر المتنطع مطلباً قومياً)) اهـ.

ثم بعد أن يفري هذا الكذب يستعدي الناس على مقاومة فكر السلفيين، فليته ذكر أمثلة لهذا الكلام الإنشائي الذي لا حقيقة له، فهل السلفيون يقفون ضد الإصلاح في المجتمعات الإسلامية بدعوى أن كل جديد بدعة، إن منهج السلفيين واضح في مسألة البدعة فهي محصورة في مجال العبادات وليس كما يدعي أن كل جديد عندهم بدعة.

ثم يقول الدكتور علي جمعة تحت عنوان (أهم مسائل المتشددين التي جعلوها أصولا لهم وعنوانا عليهم): ((لقد تمسك المتشددون بمجموعة من المسائل التي لا تمثل هوية الأمة وكلها مسائل فرعية، وجعلوها معيارا لتصنيف المسلمين، وامتحانا لتقسيمهم، ورُوج لدى طوائف كثيرة من الناس أنها قطعية لا خلاف فيها، وأن الحق معهم وحدهم، وأن القائل بغير ما يقولونه مارق فاسق منحرف أو على أقل تقدير غير ملتزم ومتساهل، أو يتهم بأنه ليس متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم. فشغلوا المسلمين بهذه المسائل، التي مذهبهم فيها غالبا ما يكون ضعيفا أو شاذا)) وذكر (17) مسألة فقط ومنها:

- أنهم يصفون الله بالمكان

- ينتقصون الأشاعرة

- ينكرون اتباع المذاهب الفقهية وتقليدها

- غير مؤهلين للإفتاء ويحدثون فوضى فى المجتمع

- يعدون أغلب تصرفات المسلمين بدعا وضلالات

- يحرمون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويعدونه شركا بالله

- يحرمون الصلاة في المساجد ذات الأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

- يعدون التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين شركا بالله

- يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

- يحرمون السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء والصالحين

- يتهمون من ترجى بالنبي صلى الله عليه وسلم بالشرك الأصغر

- يحكمون على والدي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالنار يوم القيامة

- ينفون أي إدراك للميت وشعوره بمن يزوره

- ينكرون ذكر الله كثيرا ويمنعون الأوراد

- أكثرهم يمنعون استعمال السبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة

- يتمسكون بالظاهر ويتعبدون الله بالثياب (ثوب الشهرة - النقاب)

- يسعون قبل أن يتعلموا ويخلطون الوعظ بالعلم.

ولا يتسع المقام للرد على كل مسألة من هذه المسائل ونكتفي بتناول ثلاث مسائل فقط.

- المسألة الأولى أنهم يصفون الله بالمكان فيقول: من الأشياء التي يصر عليها من يسمون أنفسهم بالمتشددين وصف الله بالجهة والمكان، ويزعمون إثبات الفوقية المكانية له سبحانه وتعالى. وهذا الإصرار منهم يتعارض مع ما ينبغي أن يكون عليه تنزيه الله سبحانه وتعالى. اهـ.

والجواب أن المفتي يستدل في هذه المسألة العقدية المتعلقة بأسماء الله وصفاته بأثر فيه زيادة وهي (وهو الآن على ما عليه كان) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه الزيادة وهو قوله (وهو الآن على ما عليه كان) كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفق أهل العلم بالحديث على أنه موضوع مختلق وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد لا صحيح ولا ضعيف ولا بإسناد مجهول وإنما تكلم بهذه الكلمة: بعض متأخري متكلمة الجهمية فتلقاها منهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم - وهو التعطيل والإلحاد. اهـ ووافقه علي ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي.

إن ادعاءه أن السلفيين أثبتوا لله المكان، قول باطل، لم يقله أحد منهم لأنه لم يثبت في القرآن ولا في السنة، وإنما يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفة العلو وغيرها. يقول الشيخ الألباني: إلا أنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما، لعدم ورودهما في الكتاب والسنة، فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظاً، إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى، وإلا فهو مخطئ معنى أيضاً إن أراد حصره تعالى في مكان وجودي، أو تشبيهه تعالى بخلقه. (مختصر العلو ص72).

وقال الشيخ ابن العثيمين: الله ليس له مكان ما في المواقع ... ، الله منزه عن المكان باتفاق جميع العلماء الإسلام، لماذا؟ لأن الله كان ولا شيء معه، وهذا معروف في الحديث الذي رواه البخاري: ((كان الله ولا شيء معه))، معناه: كان ولا مكان له؛ لأنه هو الغني عن العالمين، هذه حقيقة متفق عليها (منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، ص132 - 133).

- المسألة الثانية أنهم أي السلفيين يحكمون على والدي النبي بالنار. ونقول: سبحان الله وهل هذا القول قاله السلفيون بأهوائهم أم قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي) يقول النووي الشافعي: فيه جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة ... وفيه: النهي عن الاستغفار للكفار. انتهى. ويقول أيضا في الحديث الآخر (أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه قال: إن أبي وأباك في النار): فيه: أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين. انتهى.

فالنووي يقول بكفر والدي النبي فهل كان متشددا من وجهة نظر المفتي، وهل كان قوله شذوذا فهذا الحكم لم ينفرد به السلفيون بل لهم فيه سلف كالبيهقي والخطابي وابن تيمية وابن كثير وابن حجر والسخاوي وغيرهم بالإضافة إلى أن الأدلة الصحيحة تدعمهم.

- المسألة الثالثة قوله: (أكثر المتشددين يمنعون استعمال السبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة). ويلخص أحد أئمة السلفيين وهو شيخ الإسلام ابن تيمية حكم السبحة قائلًا: والتسبيح بالمسابح، من الناس من كرهه، ومنهم من رخَّص فيه لكن لم يقل أحد: أن التسبيح به أفضل من التسبيح بالأصابع وغيرها. ا. هـ. ويقول ابن عثيمين: التسبيح بالمسبحة تركه أولى وليسس ببدعة؛ لأن له أصلا وهو تسبيح بعض الصحابة بالحصى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن التسبيح بالأصابع أفضل وقال للنساء: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) فالتسبيح بالمسبحة ليس حراما ولا بدعة لكن تركه أولى لأن الذي يسبح بالمسبحة ترك الأولى. انتهى.

فهذان اثنان من كبار علماء السلفية في عصرين مختلفين يذهبان إلى عدم بدعيتها، وهب أن بعض العلماء انتهى إلى بدعيتها فهذا اجتهاده وهو دائر بين الأجر والأجرين طالما بذل وسعه واعتمد على أدلة شرعية فهو مأجور إن شاء الله خلافا لمن يفتي بهواه.

هذا ولا نطيل بذكر باقي المسائل، والعجيب أن المفتي لم ينسب هذه الأقوال إلى أحد بعينه، وإنما نسبها إلى السلفيين، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015