(مفهوم أهل السنة والجماعة- البدعة وأحكامها - صناعة الفقيه في المحاضر الموريتانية)
لمحمد بن الحسن الددو
عرضٌ ونقد
كتاب هذا الشهر للشيخ محمد بن الحسن الددو الشنقيطي، وأصله عبارة عن تفريغ لخمس حلقات من برنامج (فقه العصر) والذي كان قد أذيع من خلال أحد القنوات الفضائية، وقد حاوره الدكتور عادل بن أحمد باناعمة، واعتنى بالكتاب الدكتور علي بن حمزة العمري، وفيما يلي بيان أهم ما احتوى عليه الكتاب، وأهم المآخذ عليه.
أولا: العرض
المجموعة الأولى من فقه العصر اشتملت على ثلاثة محاور رئيسة:
الأول: مفهوم أهل السنة والجماعة
ودار الكلام فيه حول مفهوم كلمة السنة وإطلاقاتها، وتعريف كلمة الجماعة وبيان أصلها وعلاقتها بالسواد الأعظم. ثم تكلم عن حديث الافتراق والطائفة المنصورة والناجية، وهل تعد الجماعات الإسلامية المعاصرة من الفرق أم لا؟ إلى غير ذلك.
الثاني: البدعة وأحكامها
وتناول فيه عددًا من المسائل منها: الحد الشرعي للبدعة، ومدى إمكانية حد البدعة بحد جامع مانع، ينتهي به الخلاف، ويجتمع عليه الناس، وهل يصلح إطلاق أن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر بدعة؟ وهل يصلح إطلاق أن البدعة شر من المعصية؟ ومعنى أن المبتدع لا توبة له، وكذلك تكلم عن بعض المسائل التي اختلف الناس في بدعيتها كختم القرآن والسبحة وغير ذلك.
الثالث: صناعة الفقيه في المحاضر الموريتانية
تكلم في هذا المحور أولًا عن كلمة المحاضر من الناحية اللغوية وتعريفها، وأعطى لمحة تاريخية عن العناية العلمية في شنقيط، وتكلم أيضا عن الأدوات التي يستخدمها الطلاب في التعلم، وذكر بعض الحكايات في المحاضر الموريتانية وبعض من تخرج على هذه المحاضر وعجائب حفظهم وعلمهم، ثم ألقى الضوء على المحضرة ومدة الدراسة فيها، مع ذكر نموذج من إحدى المحاضر، وكيف كانت تتم فيه الدراسة، وبيَّن بعض طرق الحفظ إلى غير ذلك.
ثانياً: النقد
1 - ذكر أن مصطلح الجماعة ظهر عندما أصبح جمهور المسلمين وسوادهم الأعظم مع الخليفة لذا سموا جماعة ثم قال (ص 16): وهذا الإطلاق الآن لمصطلح الجماعة لم يعد وارادًا، وكثير من الناس تعودوا على إطلاق السنة مع الجماعة وظنوا أن السنة والجماعة مصطلح واحد يطلق على الناجين ... وأما لفظ الجماعة بمعناه الاصطلاحي فبعيد جدا عن زماننا وواقعنا. وبيان ذلك أن الجماعة ... تطلق على السواد الأعظم من المسلمين الملتزمين بالسنة المنضوين تحت راية الخليفة وقد عدم الخليفة الجامع اليوم.
والجواب:
أن ما ذكره الشيخ فيه قصور واضح، وذلك لأن لفظ الجماعة إذا ذكر مع السنة فقيل: (أهل السنة والجماعة) كان المراد به سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين الذين اجتمعوا على الحق الصريح من كتاب الله وسنة رسوله.
أما الأحاديث التي أوجبت الالتزام بالجماعة وعدم الخروج عليها، فقد ذكر العلماء فيها عدة أقوال منها:
- أن الجماعة المراد بهم الصحابة دون من بعدهم.
- أنهم أهل العلم والفقه والحديث من الأئمة المجتهدين.
- أنهم جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر من الأمور الشرعية.
- أنهم السواد الأعظم وهو مروي عن أبي مسعود الأنصاري وابن مسعود.
- أنهم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، وهذا رأي الطبري.
وكل هذه الأقوال ترجع إلى قولين:
الأول: أنها الجماعة إذا اجتمعوا على إمام على مقتضى الشرع عندئذ يجب لزومها ويحرم الخروج عليها.
الثاني: أنها ما عليه أهل السنة من الاتباع وترك الابتداع أو هي المذهب الحق وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة أو أهل العلم أو أهل الإجماع أو السواد العظم فكلها ترجع إلى أمر واحد وهو من كان على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه سواء كانوا قليلا أو كثيرا.
2 - قوله (ص 22) إن الإمام أحمد لما ذكر أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث كان يقصد أهل زمانه فقط المشتغلين بصنعة الحديث وكانوا إذ ذاك هم السواد الأعظم. ثم يقول لما سئل ألا يعني هذا إخراج الفقهاء وغيرهم من الطائفة المنصورة قال: لا فالفقهاء كلهم من أهل صنعة الحديث. ثم يقول: وإذا بحثت في ترجمة أي فقيه في زمن الإمام أحمد فستجده محدثا.
والجواب:
أن هذا الكلام فيه خلط عجيب، فالأول ظنه أن كلمة أهل الحديث المراد بها أهل الحديث المشتغلين به فقط، وثانيا أن الإمام أحمد إنما قاله لأهل زمانه فقط، وذلك لأن السواد الأعظم حينئذ كانوا من المحدثين وهذا عجيب، فأين باقي طوائف الأمة من أهل السنة هل كانوا محدثين؟!.
ولا شك أن مصطلح أهل الحديث استخدمه الإمام أحمد وغيره أيضا فلا تصح دعوى أن ذلك خاص بأهل زمانه، ثم إن أهل الحديث المقصود بهم الذي يهتمون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ويلتزمون بالسنة ويجتنبون البدعة لذا يقول عنهم الصابوني في كتابه الذي سماه (عقيدة السلف أصحاب الحديث) يقول (ص 99): ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يصحبونهم.
ويصحح شيخ الإسلام هذا الخطأ الذي وقع فيه صاحب الكتاب فيقول في (مجموع الفتاوى) (4/ 91): (ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرًا وباطنًا واتباعه باطنًا وظاهرًا، وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما، ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم).
3 - حمله للتكفير لبعض من قال بخلق القرآن على الإنكار الشديد والتغليظ فقط وقال (ص 23): كأن شيخ الإسلام يميل إلى هذا.
والجواب:
صرح علماء السلف بتكفير من قال بخلق القرآن، فعن أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك. فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا وشامًا ويمنًا فكان من مذهبهم ..... ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) للالكائي (1/ 176). وقال شيخ الإسلام: القول المتواتر عن أئمة السلف أنهم قالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق وأنهم أنكروا مقالة الجهمية الذين جعلوا القرآن مخلوقا منفصلا عن الله بل كفروا من قال ذلك. (مجموع الفتاوى) (17/ 74).
4 - قوله (ص 50): أئمة أهل السنة كلهم درسوا علم الكلام ودرسوه وناظروا فيه.
والجواب:
إن ذم أهل السنة لعلم الكلام معلوم ومشهور، بل قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء. ثم قال نقلا عن ابن خويز منداد: قال: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع, أشعريًّا كان أو غير أشعري. (جامع بيان العلم وفضله) (2/ 194، 195).
5 - قال (ص 102): إذا ذكر الاسم المفرد دون (يا) فهذا محل خلاف بين أهل العلم فبعض أهل العلم رأى أن الذكر بالاسم المنفرد من باب الثناء وأن الخبر محذوف، واستدلوا على ذلك بالحديث الوارد في أشراط الساعة وفيه ((حتى لا يبقى على الأرض من يقول الله الله)) فقالوا: هذا دليل على جواز الذكر بالاسم المفرد.
والجواب:
يقول شيخ الإسلام: والذكر بالاسم المفرد مظهرا ومضمرا بدعة في الشرع، وخطأ في القول واللغة فإن الاسم المجرد ليس هو كلاما لا إيمانا ولا كفرا. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) وفي حديث آخر: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله)) وقال: ((أفضل ما ققلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)). والأحاديث في فضل هذه الكلمات كثيرة صحيحة. وأما ذكر الاسم المفرد فبدعة لم يشرع. (مجموع الفتاوى) (10/ 396). وأما الحديث الذي ذكره فيفسره الرواية الأخرى ((حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله)).
وهناك مؤاخذات أخرى ننبه على بعضها دون تعليق، فمنها:
- نسبته الأشاعرة والماتريدية لأهل السنة (وعنده أهل السنة = أهل السنة والجماعة) ومثلهم في ذلك مثل المذاهب الفقهية المالكي والحنبلي والشافعي كلها مذاهب من أهل السنة فيها أخطاء وفيها صواب وأخطاؤها لا تخرجها عن أن تكون مذاهب لأهل السنة.
- قوله الافتراق ليس عيبا هنا والإخبار بافتراق اليهود إذا كان هذا قبل نسخ ملتهم ليس عيبا ومثل ذلك النصارى.
- قوله إن اشتغال البغدادي بجمع هذه الفرق لم يكن موفقاً وكذلك ابن الجوزي.
- أن هجر أهل البدع مشروع للتأديب ولا ينبغي أن يزيد عن ثلاثة أيام.
- ادعاؤه أن التفريق بين الكلام النفسي واللفظي موجود عند أهل الحديث المتأخرين وهو مسألة اجتهادية، ولو علمه أحد على هذا الوجه لا شيء في ذلك، وقوله: فمثلا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي توصل إليه أن الكلام قديم النوع محدث الآحاد وهذا الذي قاله شيخ الإسلام هو عين التفريق بين الكلام اللفظي والكلام النفسي.
- قوله عن ابن القيم إنه صوفي وهو شيخ صوفية الحق.
- تهوينه من مسألة البدعة الإضافية وعرضها على أنها مسألة خلافية وعرضه للأدلة المؤيدة لمن قال بعدم دخول البدعة الإضافية في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة)). يشعر بميله إلى هذا الرأي.
- تعريفه للترك الذي يعد فاعله مبتدعا بأنه عدم الفعل بعد الفعل.
- أن الشخص إذا وقع في بدعة وهو لا يراها بدعة لا يوصف بالمبتدع.
- قال في الذكر الجماعي: لا يضر إذا اتفقوا على ذلك تعليما أو إرشادا وحضورا حتى لا يغيب قلب أحد منهم إلا حضر غيره. وقال: هذه الأمور ليست بذاتها عبادة حتى يرد إليها النهي ولم يرد نهي بخصوصها.
- حسَّن حديث قراءة يس على الموتى أي المحتضرين
- لما سئل عن الدعاء عقب الصلاة بـ (تقبل الله) أو (حرما) أو (جمعا) قال: الدعاء كله في أدبار الصلاة لا حرج فيه. (ص113).