وعلى هذا جرى عمل الأمة قروناً طويلة ابتداءً من عصر خير القرون، وحتى وقت متأخر من التاريخ الإسلامي، فأجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهود خيبر ونجران وفدك، ووضع الشروط المشهورة بالعمرية (?) وفيها: (أنَّا شرطنا على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسةً ولا فيما حولها ديراً ولا قلايةً ولا صومعةً (?))، وفي كتاب (الأموال) (?) لأبي عبيد القاسم بن سلام، و (مصنف ابن أبي شيبة) (?) بإسناد ضعيف عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً؟ فقال: (أيُّما مِصر مَصَّرتْهُ العربُ فليسَ للعَجمِ أن يبنوا فيهِ بناءً ولا بيعة ولا يضربُوا فيه ناقوساً ... ).

قال القاضي تقي الدين السبكي: (وقد أخذ العلماء بقول ابن عباس هذا وجعلوه مع قول عمر، وسكوت بقية الصحابة إجماعاً) (?)

وفَهِمَ هذه الدلالة من أهل القرون المفضلة من غير الصحابة علماءُ التابعين وحكامُهم، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن عمه وهب بن نافع قال: (كتب عمر بن عبد العزيز إلى عروة بن محمد أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين، قال: فشهدت عروة بن محمد ركب حتى وقف عليها ثم دعاني فشهدتُ كتابَ عمر وهدْمَ عروة إياها، فهدمها) (?)، وروى عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبره: (أنه مرَّ مع هشام بحدة وقد أُحدثت فيها كنيسة فاستشار في هدمها فهدمها هشام) (?). وروى عن الحسن البصري قال: (من السنة أن تُهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة) (?). والآثار في هذا كثيرة جداً، (لهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وألا يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثت في الإسلام) (?) بل وأجمعوا (على أن بناء المعابد الكفرية ومنها الكنائس في جزيرة العرب أشد إثماً وأعظم جرماً) (?) وأقوالهم في هذا كثيرة جداً، منها:

1 - قال الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: (ليس ينبغي أن تترك في أرض العرب كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار) (?)

2 - وفي المدونة الكبرى (قلت: أرأيت هل كان مالك يقول: ليس للنصارى أن يحدثوا الكنائس في بلاد الإسلام؟ قال: نعم كان مالك يكره ذلك) (?)

3 - وقال الإمام الشافعي: (ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعاً لصلواتهم ... ) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015