ولعل من أبرز الأسباب: أن الدعوة للحوار جاءت من النصارى وليست من المسلمين (?)، ولأنها لا تناقش بيان الحق بالأدلة والبراهين المقبولة, بل أعرضت عن ذلك قصداً وأصبح الحوار عبارة عن تفاوض على القضايا المشتركة الذي يكون في العادة بين الدول في المصالح الدنيوية المشتركة، وهذا ما لا يوجد معناه في طبيعة الأديان التي جانبها الإيماني، ومقصدها الأخروي هو الأصل مع ضرورة التنبيه إلى شمولية الإسلام دون غيره من الأديان لأمور الدنيا والآخرة, وللأمور الإيمانية والعملية وجميع النشاط البشري.
وقبل الدخول في بيان المنهج الشرعي في الحوار بين الأديان أودُّ أن أنبه إلى أنَّ الحوار مع الكفار له مجالان:
1) الحوار في أمور دنيوية بحتة: وهذا ما يسمى بالمفاوضات وهي خاضعة للسياسة الشرعية, ضمن إطار أحكام الإسلام في الصلح والمعاهدة, وما يتعلق بذلك من التعامل الدنيوي الذي ليس له ارتباط بالأديان والعقائد والمفاهيم، وبناء على ذلك فليس هناك مبرر في إضافة هذا النوع إلى الأديان، وقد يطلق على هذا اسم التعايش, وقد يراد بالتعايش التقارب الفكري المباشر والتفاهم الديني بالتنازل عن شيء من أحكام الدين لما يظن فيه أنه من المصلحة كما سيأتي بيانه.
2) الحوار في الأمور الدينية: وهذا ما يؤديه إضافة الحوار إلى الأديان, فيكون الحوار إذن في الأمور الدينية وحول مفاهيم العقائد والقضايا الدينية محل الاختلاف, مثل التوحيد والإيمان والبعث ونحو ذلك, وإذا كان الحوار في أمور دنيوية بحتة, فإنه لن يكون هناك مايبرر إضافة الموضوع إلى محمولة، فالإضافة والإسناد دليل على الاختصاص والتمييز، ويعتبر الخلط بين هذين المجالين هو السبب المباشر في الانحراف الحاصل في موضوع الحوار، وبيان ذلك هو أنّه تم تنزيل مقام المفاوضات السياسية في منزلة الحوار الديني, وأصبحت مؤتمرات الحوار تناقش قضايا دنيوية سياسية مع الإغفال التام والمقصود للقضايا الدينية، ومع ذلك تضاف هذه الحوارات إلى الأديان على اعتبار نوعية الحضور والشخصيات المشاركة وليس على اعتبار القضايا المطروحة للحوار، وحينئذ أصبحت الصورة هي شخصيات دينية (علماء وغيرهم) يناقشون قضايا سياسية ثم تسمى (حوار بين الأديان).
وقام بهذا العمل جهتان:
أحدهما: قامت به جهات معينة بخبث واستغلال للقضايا الدينية, في تحقيق مآرب سياسية ذات خلفية دينية، ويمثل هذه الجهة القوى الاستعمارية الكبرى، والكنيسة الكاثوليكية المتداعية (?).
والثانية: قامت به جهات أخرى بحسن نية تحسب في ذلك مصلحة للأمة, وتحقيق مقاصد شرعية, ويمثل هذه الجهات بعض مؤسسات الحوار، والشخصيات الإسلامية المشاركة في المؤتمرات الحوارية, التي تسعى لتحقيق قضايا مشتركه لنفع الإنسانية, وتظن أنها تحقق مكاسب للأمة الإسلامية.
1 - الأصل الشرعي في الحوار بين الأديان: