والذي يحضر السينما يستسلم بالكامل لأحداث الفيلم، ولا يشغله عنه شيء؛ لأنه إنما جاء لأجله بخلاف الذي يشاهده خلف الشاشة، ويشغله عنها ما يشغله (?).
وسأضرب مثلين برجلين من عقلاء الناس، وهما من مشاهير العرب قد فتنوا بالسينما فتنة شديدة، فكيف بمن دونهم من السوقة والرعاع:
المثال الأول: الشاعر المشهور أحمد شوقي فقد كان ممن عاصر بدايات السينما وفتن بها فتنة عظيمة، حتى كتب عن ولعه بها بعض السينمائيين، فكتب أحمد بدرخان مقالاً على إثر وفاة شوقي عام 1932م قال فيه: «كان شغوفاً بالسينما يقضي في صالاتها أغلب أيام الأسبوع ... وكان أمير الشعراء يجلس في الصف الأول بقرب الشاشة لقصر بصره ... وكان يحضر الفيلم الواحد أكثر من مرة إن كان متقناً ... ثم ذكر أنه كان ينظم شعره في صالة السينما. ولما كان ابن شوقي الأكبر علي يدرس القانون بكلية الحقوق بجرينوبل كان والده يكتب له يسأله عن صالات السينما عندهم ليضمن أن يشاهد فيلما جديدا كل ليلة» (?).
وقد يقال: إن شوقي ما أدرك عرض الأفلام في التلفزيون، ولو أدركها لما ولع بها كل هذا الولع، وهذا منقوض بما بعده.
المثال الثاني: المؤرخ والسياسي الفلسطيني أنيس صايغ قال في سيرته الذاتية: «ذهبنا مرة طلاب المدرسة الداخليين إلى دار للسينما وكنت أول مرة أشاهد فيها فيلما سينمائيا وكان الفيلم من إخراج نجيب شماس وبطلته زوجته صباح، وكان من أوائل أفلامها واسمه (أول نظرة) ومع أنه كان فيلماً عادياً جداً، وربما دون العادي فقد فتح شهيتي على مشاهدة الأفلام إلى حدّ أني أدمنت على ذلك خلال إقامتي في بيروت وكمبردج حوالي ثلاثين سنة حضرت خلالها ما يزيد على عشرة آلاف فيلم كلها في دور العرض وليس عبر شاشات التلفزيون» (?) فهو معاصر ومع ذلك كانت فتنته بالسينما عظيمة مع وجود الأفلام على مختلف القنوات الفضائية العربية والأجنبية وأشرطة الفيديو قبل الفضائيات، ومع ذلك يذهب للسينما ويشاهد عشرة آلاف فيلم وهو الجاد في عمله، وإنتاجه غزير سواء في العمل الصحفي أو في تدوين التاريخ الفلسطيني، وهذا يدل على أنه لا مساواة بين أفلام التلفزة وأفلام السينما.
الوجه الثالث: أن دعاة إنشاء صالات للسينما في المملكة لن يتوقفوا عند مجرد عرض الأفلام فيها، بل هي خطوة أولى لمشروعات من الإفساد متعددة لا يعلم مداها إلا الله تعالى، ومن هذه المشاريع:
1 - أن جلب الأفلام السينمائية العالمية أو العربية يسبقه ويصاحبه حملة من الدعايات تمتلئ بها الشوارع ولوحات الإعلانات الكبيرة تحوي صور الممثلين والممثلات، ومن رأى الدعايات في مصر ولبنان وبعض دول الخليج لبعض الأفلام عرف ذلك، حتى إن الدعاية أحيانا تكون بحجم بناية كاملة، وفيها من صور العري والتهتك ما يُخجل الأسوياء، وهذا من أعظم المجاهرة بالمنكرات.