- التشكيك في السنة، فهي في الخطاب الحداثي، وقراءته التفكيكية لأصوله "مجموعات نصية مغلقة" ذات بنية "تيولوجية- أسطورية" حسب تعبير أركون قد خضعت"لعملية الانتقاء والاختيار والحذف التعسفية التي فرضت في ظل الأمويين، وأوائل العباسيين، أثناء تشكيل المجموعات النصية" كما أن هذه"المجموعات النصية" قد تعرضت لعملية النقل "الشفاهي" بكل مشاكلها، ولم تدون إلا متأخرًا، وهذا الوجه"الشفاهي" قام به جيل من الصحابة، لا يرتفعون عن مستوى الشبهات، بل تاريخهم تختلط فيه"الحكايات الصحيحة" بـ"الحكايات المزورة".
- التسوية في الاستشهاد بين السنة، وسائر الخطابات الأخرى، وإخضاعها لـ"سنن القراءة" و"مناهج" الألسنيات الحديثة، وتحليل الخطاب التاريخي ونقده؛ باعتبارها "نصًا تراثيًا" شأنها في ذلك شأن بقية النصوص، وهكذا يصبح النَّصّ النبوي نفسه موضع "المساءلة" ما إذا كان حجة أم لا، فضلاً عن تضمنه رسالة للبشرية، أو كونه هدى وبشرى للعالمين.
- (عقلنة) السنة، واعتبار العقل حاكمًا وقاضيًا عليها، وكذلك اعتبار "الواقع" حاكمًا على النص، ومتبوعًا، لا تابعًا، فسلطة العقل، في القراءة الحداثيَّة، هي السلطة الوحيدة التي يُتعامل على أساسها مع السنة النبوية، بل مع النصوص الدينية كافة.
ولعل أخطر ما في القراءة الحداثية، هو تلك: "الفوضى التأويلية وأشكلة العلاقة بين النص ولغته" إذ تعتبر القرآن والسنة خطابًا لغويًا، يخضع لآليات التفكيك والقراءة التي طبقت على مختلف النصوص بما يعرف في العلوم الإنسانية والألسنية بـ"الهرمنيوطيقا" أو"التأويلية الحديثة" أو"نظرية تفسير النصوص" ومن أهم مبادئ هذه "الألسنية الجديدة":التأويلات "اللامتناهية"، و"أشكلة" العلاقة بين النص المعطى ولغته، فليس لـ"قصد" المؤلف، أو النص، مكان في "النظرية التأويلية" الجديدة، باعتبار أن النصوص لا تحمل أي معنى إلا ذلك الذي يصنعه القارئ ويشكله، مما يؤدي إلى "فوضى التفسير" و"لا نهائية المعنى" و"نسف محتوى النص" و" "إبطال مقصوده"؛ في ظل الغيبات الثلاثة التي تقوم عليها"التأويلية الحديثة": (غيبة المؤلف، وغيبة المرجعية، وغيبة القصدية) وبذلك، وحده، سيأثر الحداثيون بتأويل النص الديني، قرآنًا وسنة، ويتلاعبون بفهمه وتفسيره ومدلوله، في "باطنية" مسرفة لا ترى في "ظواهر" النصوص أكثر من رموز ومؤشرات ومدلولات كوامن بواطن، هي مركز الثقل في النص، وبدل أن يكون الهوى تبعًا لمعطيات النص، يكون هو تبعًا لهوانا!!
تلك هي"الرؤية" التي تحكمت في الأصول الفكرية، والمنطلقات المنهجية في "القراءة الحداثيَّة" وإذا نحن دققنا النظر في تلك "القراءة الحداثيَّة" التفكيكية للنص الديني، وما طرحته من"إشكالات" حوله، وخاصة السنة النبوية، كما تقدم، نلاحظ: أن هذه القراءة - على الرغم من ادعاء أصحابها كونَها قراءة ليست "تقليدية امتثالية، كما هو سائد في كليات الشريعة، وفي كل الأوساط الإسلامية دون استثناء"- في الحقيقة، قراءةٌ لا تنفصل كثيرًا عن"الطروحات الاستشراقية المعهودة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن تلك"القراءة الحداثيَّة" قد وقعت في جملة أخطاء (آفات) منهجية، تفقدها قيمتها، كما تفقد النتائج المتوصَّل إليها مصداقيتها؛ وذلك فيما أسميه بـ"الغيبات الأربع" والتي يمكن تمثلها على النحو التالي: