فالمقصود أن يقوم الدعاة والعاملون للإسلام بتوحيد صفوفهم، ونزع الحقد والحسد والبغضاء من قلوبهم، وأن يقفوا وقفة رجل واحد يريد الحق والإسلام، لأن الاختلاف والتفرق كما نراه الآن أظنه هو العقبة الكبرى أمام إقامة خلافة الإسلام ونصرة المسلمين، لماذا .. ؟ لأن الحكام والظالمين نعم هم عقبة كبيرة في مسيرة الدعوة والتوحد، لكنها عقبة زائلة بزوال أسباب إيجادها، فالله تعالى ما سلط هؤلاء على الأمة والتحكم فيها إلا يوم أن تحول بأس الأمة فيما بينها، فصار الاختلاف والتفرق والشحناء والحسد، والتزكية للنفس والمنهج ولو كان على غير سنة، فسلط الله علينا هؤلاء بسبب عدم اتباعنا لكتاب الله وسنة رسوله، وهذا حق لا يماري فيه إنسان فضلاً عن متابع للكتاب والسنة.
كما أن الجماعات والدعوات اليوم كل منها يريد أن يصل أولاً قبل الآخر، بل ويرى نفسه جديراً بالوصول قبل إخوانه العاملين معه، فهو يرى من نفسه صاحب باع طويل في الدعوة، وتجربة كبيرة أيضاً .... إلخ.
ومع وجود عقبة الحكام الظالمين كثيراً، لكنها عقبة تذوب وتتلاشى أمام وحدة الصف المسلم، ووحدة الدعاة بصدق وإخلاص للحق وتجرد، كما أمرنا ربنا بقوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .. الآية"، وكما قال ابن القيم رحمه الله:" لا تظن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض".
إن الدعاة والعلماء إذا توحدت جهودهم ودعوتهم، فلن يقف في وجههم شيء بأمر الله، لأنهم عندها يد واحدة، ويد الله مع الجماعة، ولأن الجماهير ستكون معهم تؤيدهم وتنصرهم بهذا الدين بحب ومتابعة وشغف للعدل والسلام. ولكن هنا ستظهر أمامنا عقبات كبيرة، إذ كيف تتوحد هذه الدعوات والجماعات، وهي ترى نفسها أجدر وأحق بالتقدم والفهم والقيادة .. وكيف تتوحد وهي ترى نفسها أدق فهما، وأقدر على فهم واقع الأمة وحدها دون غيرها من الدعوات .. بل ولربما ترى نفسها أولى بالخلافة والحكم.
والمتأمل في جل هذه الاختلافات يجدها ترجع بالجملة إلى أمرين:
الأول: الجهل بحقيقة الدعوة وأصولها ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم. وقد تعجب من هذا وتقول: وهل أحد اليوم يجهل حقيقة الدعوة وأصولها، بعد هذا التعدد الدعوي والفكري واختلافاته، والجواب نعم.؟ لأننا بينا وأشرنا وأكدنا مراراً، على أصل كبير في طريق الدعوة الإسلامية، أكثر الدعاة والعاملين اليوم لا يلتفتون إليه مع أنه من أجل الأصول وأكبرها، وهو الأصل الوحيد بعد الكتاب والسنة الذي لو حققته الجماعات والدعوات، لرفع محل الخلاف والشقاق والنزاع بينهم، ولتوحدت صفوفهم، هذا الأصل يكمن في متابعة الصحابة والسلف الأول قبل كل شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك بقوله:" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً .. ثم قال. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .. الحديث" وقوله أيضاً:" الجماعة ما أنا عليه وأصحابي".
نعم فإن منهج السلف هذا هو الإسلام بصفائه وشموله .. وما الجماعات الدعوية العاملة اليوم إلا دعاة إلى هذا المنهج .. فلا يظنن ظان أن دعوته بديلاً عن منهج السلف أو مغايرة له .. كلا، إنما الواجب أن تكون كل الدعوات إلى هذا المنهج فحسب.
فاختلاف الدعاة الآن في صورة فهمهم لمنهج السلف وطرق تطبيقه، فمن هنا يزعم كل فريق الصواب والمتابعة دون غيره، مع قرب أو بعد، في صحة هذه المتابعة أو خطأها.