ألقيت محاضرة في الأسبوع الذي مضى عنوانها «مع الدعوة الإسلامية في هذه الأربعين سنة الأخيرة» تكلمت فيها ساعتين ولم أبلغ نصفها. ولا أعيدها عليكم هنا، ولا تتسع هذه الدقائق الخمس لها. ولكن أعرض فقرة منها.
قلت إن الدعوة الإسلامية مرت في هذا السنين الأربعين بمراحل ثلاث: كنا في أوائلها نقرأ لقدماء الدعاة (كفريد وجدي ورشيد رضا) مقالات من الإسلام وأنه لا يظلم المرأة وأنه لا يدعو إلى التعصب المذموم؛ يدفعون عن الإسلام هجمات خصومه، ولكنهم ينظرون إلى الإسلام كأنه متهم أمام المحكمة، وكأنهم هم المحامون عنه.
ثم انتقلنا إلى المرحلة الثانية، فكنا نقرأ للكتاب الإسلاميين مقالات في ديموقراطية الإسلام، والوطنية في الإسلام، ثم في الاشتراكية في الإسلام. كأن من وظيفة الدعاة إلى الإسلام أن يجعلوه ثوباً مرقعاً، فكلما ظهر في الغرب مذهب سياسي أو اقتصادي، وفُتن الناس به، وأقبلوا عليه، فتشنا عن شبه بينه وبين الإسلام، ثم زعمنا أن الإسلام يقوم به ويقرّه.
ثم انتقلنا (أو انتقل الواعون من الدعاة) إلى المرحلة الثالثة؛ فأعلنوا أن الإسلام نظام كامل، يحل المشكلات كلها؛ السياسية منها والاجتماعية