وممن اعتصم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك
فلما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة صدقوا الله ورسوله، بينما كذب كثير من المخلفين.
والصادقون الثلاثة هم كعب بن مالك أكثرهم صدقًا، وأشدهم امتحانا. ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميَّة، وهما رجلان أسوة وشهدا بدرًا.
وقصة كعب بن مالك عم الحديث عنها في كتب السيرة والتفسير.
أذكر بعض أخبارها من باب التربية النبوية لأصحابه، فمعجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأولى هي القرآن الكريم ومعجزته الثانية هي منهجه في تربية
الرجال. والقصة يرويها كعب بن مالك نفسه.
أولا: عندما سمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد عودته قال له صدقت فيما أخبرتني ووكل أمره للَّه.
ثانيا: كعب بن مالك شخصية عربية كبيرة فعندما أشيع خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - منه أرسل أحد ملوك العرب يعزمه على ترك المدينة والالتحاق بهذا الملك فاعتبرها مالك محنة جديدة أن يفتن في دينه وردّ دعوة الملك.
ثالثا:. من السهل أن، يدخل الإنسان لمثل هذا الأمر، ولكن العجب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل المجتمع كله هو الذي في السجن فلا يكلمه أحد ولا يعامله وبعد أربعين يومًا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته غير محرّمة عليه، ولكن لا يقربها.
وإخوانه كذلك. ومعلوم أنة إذا اشتدَّ الكرب اقترب ميعاد الفرج.
نعم علمتنا الحياة إذا اشتدَّ الكرب اقترب ميعاد الفرج.
وبعد عشرة أيام من تحريم زوجته عليه وبعد تمام خمسين يومًا نزل القرآن يعلن مغفرته سبحانه للثلاثة الذين خلفوا
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}.
ولما كان الثلاثة قد صدقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بعدها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}.