وكل هذا يدل على مدى اعتناء العلماء بها، حتى أن عبد الله بن أبي جمرة (?) لعظم معرفته بشأن النيّات تمنى على العلماء أن يتخصص بعضهم في هذا الأمر كي يعلم الناس ويرشدهم، يقول: "وددت أنه لوكان من الفقهاء من ليس له شغل إلاّ أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد إلى التدريس في أعمال النيّات ليس إلاّ، فإنّه ما أتي على كثير من النَّاس إلاّ من تضيع ذلك" (?).

وقال الثوري (?) رحمه الله: "كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل" وقال بعض العلماء: "اطلب النية للعمل قبل العمل، وما دمت تنوي الخير فأنت بخير" (?).

6 - شرفت النيات بموجدها:

إذا حق للأبناء أن يفخروا بالآباء الكرام، وأن يشرف الفرع بأصله الطيّب على حدّ قول الشاعر:

وَهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَ إلاّ وشِيجُهُ ... وَتَنبُتُ إلاَّ في مغارِسِه النَخْلُ

فيحقّ للنيّات أن تشرف بموجدها وباعثها وهو القلب.

فالقلب سيد الأعضاء ومليكها، وهو محل العقل والبصيرة، ومناط التكليف، وهو يقوم بأخطر الأعمال من إيمان وكفر، وحب وبغض، وما الأعمال الخارجة إلا صورة ظاهرة لما استقر في الضمائر الخفية الباطنة.

والقلب هو الآمر الناهي، والأعضاء تطيعه طاعة الجند لقائدها، لا تعصي له أمرا، ولا تخرج عن حكمه، فهو منها بمكان الراعي من الرعّية، والقائد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015