وقد تبين لي أن الحافظ ابن دحية لم يكن واهما عندما عزا هذا الحديث إلى الموطأ، فقد وقع لي أثناء مراجعة كنز العمال ما يكشف الحقيقة ويجليها، ذلك أن ابن دحية رأى نسخة من الموطأ يبدو أنها فقدت، أو لم تقع لهؤلاء الأئمة الأعلام الذين وهموا ابن دحية، وهي النسخة التي من رواية محمد بن الحسن، يقول صاحب كنز العمال: "قال مالك في الموطأ -رواية محمد بن الحسن وسفيان بن عيينة- أنبأنا يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم" (?).
ثم وضح الأمر تماما بعد أن اطلعت على كتاب مخطوط للسيوطي هو كتاب منتهى الآمال بشرح حديث "إنّما الأعمال بالنيّات".
ففي هذا الكتاب وفي سطوره الأولى يقول: "قال مالك في الموطأ رواية محمد ابن الحسن، قال أخبرني يحيى بن سعيد، .... ". وبعد قليل زاد الأمر بيانا عندما قال: "قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: هذا الحديث أخرجه الأئمة المشهورون إلاّ الموطأ، ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك".
ثم قال السيوطي: "قلت: لم يهمّ، فإنه وإن لم يكن في الروايات الشهيرة فإنه في رواية محمد بن الحسن".
وحدّد الأمر تحديدا يدلّ على أنه اطلع على النسخة التي من رواية محمد بن الحسن، فقال: "أورده كما سقته منه في آخر باب النوادر. وقبل آخر الكتاب بثلاث ورقات، وتاريخ النسخة التي وقفت عليها مكتوبة في شهر صفر سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وقد رأيت فيها أحاديث يسيرة زائدة على الروايات المشهورة" (?).