وفعل اليهود أمرًا قريبًا من هذا أيضًا، فقد حرّم الله عليهم الشحوم، فتأوّلوا ذلك تأولات فاسدة، فزعموا أن المحرّم أكله وأن المحرم منه الجامد دون المذاب، فأذابوه وباعوه، وأكلوا ثمنه، وقالوا: ما أكلنا الشحم، روى ابن عباس قال: "بلغ عمر -رضي الله عنه- أن فلانا باع خمرا، فقال: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها (?) فباعوها (?)؟! ".
وقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته من سلوك الطريق الذي سلكته يهود فقال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" (?).
وحدثنا الله في سورة {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (?) بالعذاب الذي أحلَّه بأهل الجنة، الذين أرادوا أن يحتالوا في منع المساكين من أخذ شيء من الثمر، وقد كان أبوهم الصالح يجذّ الثمر ويصرمه في النهار، فيأتي المساكين، فينالون شيئًا من الثمار، فاحتالوا على منع المساكين بأن اتفقوا على أن يجذوها في الصباح الباكر، فأرسل الله على جنتهم طائفا، وهم نائمون، فأصبحت كالصريم.
وقد احتجَّ البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه بأحاديث كثيرة على إبطال الحيل منها:
حديث عمر بن الخطاب أنّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا أيّها الناس، إنّما الأعمال بالنية، وإنّما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها،