دخل علينا في هذه حالة من الطغيان أكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم، أرانا يحب أحدنا أن تقضى له حاجته، وإن اشترى أن يقارب لمكان دينه. فشاع ذلك الكلام، حتى بلغ الملك، فأعجب به، فركب إليه ليسلِّم عليه، ولينظر إليه، فلما رآه الرجل قيل له: هذا الملك قد أتاك، ليسلّم عليك، فقال: وما يصنع؟ قال: للكلام الذي وعظت به، فسأل غلامه هل عندك طعام؟ فقال: شيء من ثمر الشجر مما كنت تفطر به، فأمر به، فأتي على مسح، فوضع بين يديه، فأخذ يأكل منه، وكان يصوم النهار، ولا يفطر، فوقف عليه الملك، فسلَّم عليه، فأجابه إجابة ضعيفة، وأقبل على طعامه، يأكله، فقال الملك: أين الرجل؟ فقيل له هو هذا، قال: هذا الذي يأكل؟ قالوا: نعم، قال: فما عند هذا من خير، فأدبر، فقال الرجل: الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به" (?).
وفي رواية أخرى عن وهب: "أنّه لما أقبل الملك قدم الرجل طعامه، فجعل يضع البقول في اللقمة الكبيرة ويغمسها في الزيت، فيأكل أكلا عنيفا، فقال له الملك: كيف أنت يا فلان؟ فقال: كالناس. فردَّ الملك عنان دابته، وقال: ما في هذا من خير. فقال: الحمد لله الذي أذهبه عني، وهو لائم لي" (?).
وذكر ابن الجوزي قصة قريبة الشبه بهذه، فقد ذكر أنَّ الوليد بن عبد الملك (?) أراد أن يولي يزيد بن مرثد (?)، فبلغ ذلك يزيد فما كان من يزيد إلاّ أن تظاهر بالجنون، فقد لبس فروة، فجعل الجلد على ظهره، والصوف خارجا، وأخذ بيده