فالحديث واضح فيه أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنَّ لنا قيام رمضان جماعة، وأنه ترك المداومة على ذلك خشية أن يفرض علينا فلا نستطيع القيام به، فلمَّا توفي صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي، زالت الخشية التي خشيها صلى الله عليه وسلم. ولو لم يأت دليل بذلك لكان لنا أسوة بعمر بن الخطاب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (?).
وما أبعد ما قاله القسطلاني (?) متحكما في هذه القضية برأيه حيث زعم بلا دليل أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتلفظ بالنية، يقول القسطلاني: "ولئن سلمنا أنّه لم يرو عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه النطق بها، لكنا نجزم بأنَّه عليه السلام نطق بها، لأنّه لا شك أن الوضوء المنوي مع النطق به أفضل، والعلم الضروري حاصل بأن أفضل الخلق لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره أنّه أتى بالوضوء المنوي مع النطق، ولم يثبت عندنا أنَّه أتى بالوضوء العاري عنه، والشك لا يعارض اليقين، فثبت أنّه أتى بالوضوء المنوي مع النطق" (?).
هذا كلام القسطلاني، وعجيب أن يصدر مثل هذا من عالم محدِّث فاضل مثله. فهو يقرّر أن التلفظ بالنية أفضل، ولا يأتي بدليل يدلُّ على هذه الأفضلية، ثم يبني على هذا الأمر الذي لم يدلّل عليه -والذي أصبح عنده يقينا- أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يترك الأفضل، فيلزم من ذلك أنّه كان يتلفظ بالنية.