ولم يفطن كثير من الناس إلى أنَّ النيّة هي المحول العجيب، إلاّ أنَّها لا تحول الجماد إلى نوع آخر من الجماد، ولكنَّها تحول الأعمال العادية التي تضمحل وتزول بمجرد الانتهاء منها إلى أعمال باقية خالدة، فالطعام والشراب والنكاح .. كل ذلك زائل ذاهب فإذا قصد العبد به نيّة صالحة، كأن ينوي التقوي بالطعام والشراب على طاعة الله، وكأن يعفَّ نفسه عن الزنى بالنكاح، ويطلب الولد الصالح الذي يعبد الله ويجاهد في سبيله -فإنَّ هذه الأعمال تتحول إلى أعمال باقية صالحة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة" (?)، فالإنفاق بنيّة الاحتساب يتحول إلى صدقة يدّخر لصاحبها أجرها وثوابها.
النية خفية غير ظاهرة، فلا يستطيع العبد أن يرائي بنيته، لأنَّ النّاس لا اطلاع لهم على المستتر في القلوب، بخلاف الأعمال الظاهرة البينة فقد يداخلها الرياء، وكثير من الآفات التي تعرض للعمل الظاهر تأتي من هذا المرض الخطير والآفة الماحقة، فالرياء يبطل الأعمال ويفسدها، ويخبث النفوس ويدسِّيها.
الغفلة داء موبق للنفس، يوردها موارد التهلكة، فالحيوان يسير في حياته وفق ما فطر عليه لا يحيد، ولا ينحرف، وقد ميز الِإنسان بإرادته ووعيه، فإذا غفل، وتداعى، وعطل قصده ونيته، وعاش أسير أهوائه وشهواته، هبط دون مستوى الحيوان، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (?).
وفي النيّة علاج لهذه الغفلة، وتربية على اليقظة والِإرادة الواعية التي تخلص