فَأَما الْبَاطِن الَّذِي فِي قلبه فَلَا يُمكنهُ الرِّيَاء بِهِ فَإِن النَّاس لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يقفون عَلَيْهِ إِلَّا أَن يسمعهم بذلك ليعظموه ويفخموه ويوقروه ويشكروه ويجلبون إِلَيْهِ مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من نفع ويدفعون عَنهُ مَا يقدرُونَ على دَفعه من ضرّ
فَأَما عمل الْجَوَارِح والأعضاء فَمِنْهُ مَا يُمكن إخفاؤه وَمِنْه مَا لَا يُمكن إخفاءه وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الرِّيَاء فيصونه عَن الرِّيَاء كحزنه بعد سروره وإمساكه عَن الْكَلَام الَّذِي لَا يحل بعد خوضه فِيهِ والانقطاع من أهل الفسوق والعصيان إِلَى أهل الطَّاعَة وَالْإِيمَان وَكَذَلِكَ كل عبَادَة فَضلهَا فِي إظهارها فَإِذا عزم عَلَيْهَا اعْتَرَضَهُ النَّفس والشيطان ليحملاه على الرِّيَاء والتصنع بهَا أما الشَّيْطَان فيحمله على ذَاك ليفسد عَلَيْهِ عمله
وَأما النَّفس فتنال غرضها من التَّعْظِيم والتوقير وَمن دفع الضَّرَر عَنْهَا وَمن جلب النَّفْع إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَا يظْهر عَلَيْهِ من زِيّ الصَّالِحين فِي المآكل والمشارب والملابس والمناكح فيقصد الرِّيَاء وَقد أعمت شَهْوَته بصيرته عَن إِدْرَاك الرِّيَاء وَمَا أخْفى الرِّيَاء عَن مُعظم النَّاس لِأَنَّهُ قصد خَفِي غمرته شَهْوَة عَظِيمَة فأعمت البصيرة وأفسدت السريرة بِخِلَاف معاصي الْأَعْضَاء فَإِنَّهَا ظَاهِرَة محسوسة لَا تخفى على أحد