فتعرض النَّفس والشيطان لمن يداوي قلبه بإدمان الْفِكر والتخويف فَيَقُولَانِ مثلك لَا ينجع فِيهِ إدمان الْفِكر وَلَا يَنْفَعهُ التخويف وَرُبمَا حَرمك رَبك ذَلِك لِكَثْرَة ذنوبك وفرط عيوبك
فَإِن أصغى إِلَيْهِمَا وَقبل مِنْهُمَا يئس من روح الله وَرَحمته وَرجع إِلَى أَشد مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الفسوق والعصيان {إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} يُوسُف
وَطَرِيقه فِي ذَلِك أَن يَقُول التخويف إِنَّمَا يَلِيق بمثلي وأمثالي وَلَوْلَا أَن رَبِّي أَرَادَ بِي خيرا لما نبهني على الذّكر واجتماع الْفِكر لأخاف من عُقُوبَة رَبِّي فَأقبل على طَاعَته وَاجْتنَاب مَعْصِيَته وَكم من ذَنْب أكبر من ذَنبي وَقد غفره رَبِّي وَكم عيب أقبح من عيبي قد ستره رَبِّي
فَحِينَئِذٍ يسْتَمر على الْفِكر المثمر للخوف الناجع فَإِن أفرط خَوفه كسر سورته بالرجاء فَحِينَئِذٍ تعرضه النَّفس والشيطان فَيَقُولَانِ لَهُ إِنَّمَا وصلت إِلَى هَذِه الْمنزلَة بحزمك وعزمك وَحسن نظرك لنَفسك
فينسى إنعام الله تَعَالَى عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ ويضيف ذَلِك إِلَى نَفسه الأمارة بالسوء فَحِينَئِذٍ لَا يَأْمَن أَن يَخْذُلهُ ربه لحمده من لَا يسْتَحق الْحَمد
وَطَرِيقه فِي ذَلِك أَن يَقُول لنَفسِهِ كَيفَ تدعين أَنَّك وصلت إِلَى هَذَا بحزمك وعزمك وَأَنت مَا دخلت فِيهِ إِلَّا كارهة أبيَّة مَعَ أَنَّك أَنْت الَّتِي أوقعتني فِي الْمعاصِي والمخالفات