وَكَذَلِكَ تظن الْإِخْلَاص قبل الْعَمَل وَلَيْسَت بمخلصة وَإِنَّمَا هِيَ عازمة على الْإِخْلَاص
وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَحْوَال قبل حُضُور أَسبَابه فَإِنَّهَا عازمة عَلَيْهِ متصفة بِهِ فَالْتبسَ عَلَيْهَا الْعَزْم بالمعزوم عَلَيْهِ جهلا مِنْهَا بأوصافها ومتعلقات أوصافها
وَلَو أَنَّك خوفتها بأنواع التخويف وحثثتها على الطَّاعَة بأنواع الْحَث فأجابت إِلَى الطَّاعَة لَصَارَتْ إِلَى الْمعاصِي الْخفية كالرياء وَالْكبر والإعجاب وَغير ذَلِك مِمَّا يسنح للعباد دون أهل الغي وَالْفساد وَلَيْسَ غرضها بِمَا تدعوك إِلَيْهِ من الْمعاصِي الجلية والخفية أَن تهلكك وَأَن تعرضك لعذاب الله تَعَالَى وَإِنَّمَا غرضها أَن تنَال شهوتها ولذتها أَيْنَمَا كَانَت وَحَيْثُ مَا عجلت سفها مِنْهَا وغفلا وجهلا بعواقب الْأُمُور بِخِلَاف الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يَأْمُرك بِطَاعَة هَوَاك ليهلكك ويرديك لَا لتلتذ بنيل هَوَاك وبلوغ مناك
وَلَو قدر أَن يهلكك بِمَا لَا لَذَّة فِيهِ لفعل لفرط عداوته إياك وَكَيف لَا تتحرز من عَدو لم ترد خيرا قطّ إِلَّا نازعتك إِلَى خِلَافه إِن لم يكن مُوَافقا لهواها وَلَا عرض لَك شَرّ قطّ يُوَافق هَواهَا إِلَّا كَانَت هِيَ الداعية إِلَيْهِ والحاثة عَلَيْهِ وَلَا ضيعت خيرا قطّ إِلَّا بهواها وَلَا ركبت مَكْرُوها قطّ إِلَّا بمحبتها