ثم قسم من ينتسب إلى العلم في زمانه إلى قسمين: أهل الحديث وأثر، وأصحاب فقهٍ ونظر، نظر في من ينتسب إلى العلم في زمنه في القرن الرابع فوجدهم ينقسموا إلى قسمين: أهل حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، مع أن كلاً من الفقه والأثر والحديث والنظر لا يتميز كل منهما عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو كالفرع، وكل بناءٍ لم يوضع له أساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء فهو قفر وخراب، يقول: "ووجدت هذين الفريقين إخواناً متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين" ثم بيّن وجه التقصير من كل فريق، وجه تقصير من ينتسب إلى الحديث، ووجه التقصير عند من ينتسب إلى الفقه، يقول: "أهل الحديث مبلغ حاجتهم، وجل قصدهم جمع الروايات والطرق، وطلب الغريب والشاذ، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، وربما عابوا الفقهاء بمخالفة السنن، وأما أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، وقد اصطلحوا فيما بينهم على قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع، إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبتٍ فيه فكان ذلك ظلةً من الرأي، وغبناً فيه"، يقول: "وهؤلاء -يعني من ينتسب إلى الفقه من أتباع الأئمة- يقول: وهؤلاء -وفقنا الله وإياهم- لو حكي لهم عن واحدٍ من رؤسائهم أو من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهادٍ من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة"، ثم ذكر الثقاة من أصحاب الأئمة الذين يعول عليهم في نقل المذاهب .. إلى آخر كلامه -رحمه الله-، وهو كلام نفيس جداً.