ولو قد استحضرت دار الكتب مخطوطات الأغاني لما خرج الكتاب ناقصا ولاستمتعنا بأخبار هؤلاء الطالبيين الذين لم يذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين.
وقد أتى أبو الفرج بروايات مدخولة، وأحاديث موضوعة لم يعقب عليها ولكنه أمر نقده على بعضها، كما فعل حين روى عن الضحاك قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب لمحمد بن جعفر بن أبي طالب فإنه قال في التعقيب عليها صفحة 22:
«وهذه رواية الضحاك بن عثمان، وما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد ابن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل» .
وكنت إذا ما رأيت أبا الفرج ينزع نزعة مسرحية نقلت من أقوال ثقاة المؤرخين ما يرجع الحق إلى نصابه، ويرد التاريخ إلى محرابه، كما صنعت في ترجمة عبد الله الأشتر صفحة 310- 313.
وبعد فإن مقاتل الطالبيين كنز من كنوز الأدب والتاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف ومائتين من شهداء الطالبين، فأحسن الترجمة وصوّر بطولتهم تصويرا أخاذا يختلب الألباب، ويمتلك المشاعر وذكر فيه من خطبهم ورسائلهم وأشعارهم، ومحاوراتهم، وما قيل فيهم وبسببهم من روائع الشعر والنثر، ما لا تجده مجموعا في كتاب سواه، إلّا أن يكون منقولا عنه، أو ملخصا منه، فهو خير كتاب أخرج للناس في تاريخ الطالبيين وأدبهم، يجد فيه العلماء طلبتهم، والأدباء ضالتهم، ويجد فيه القاصون منهم مادة خصيبة لإنتاجهم الفني.
وهو من أنفس الكتب التي تغذو العقول والقلوب والأرواح جميعا.