القرب من الله تعالى، يعني: الحلول أو الاتحاد أو الوصول (?). وذكر في كتاب الإحياء نفسه طوائف من المتصوفة وعدد انحرافاتهم (?)، فمن تلك الانحرافات الإغراق في الطقوس والمظاهر الكاذبة والأزياء المتكلفة، ومن تلك الانحرافات التي أشار إليها وقوع بعض الطوائف في الإباحية (زعمًا أنهم مع الشهوات بالظاهر أما قلوبهم فوالهة بحب الله)، ومن تلك الانحرافات ادعاء ارتقاء النفس إلى مرتبة لا تحتاج معها إلى العبادات البدنية، ومن تلك الانحرافات تلك الحلقات المفرغة والكلمات الجوفاء، في شرح بعض أنواع مجاهدات النفس بما لا طائل من ورائه، من مثل القول: "إن هذا في النفس عيب، والغفلة عن كونه عيبًا عيب، والالتفات إلى كونه عيبًا عيب! ".
وخلاصة الأمر أن الغزالي خالط المتصوفة فرأي حالتهم الغاية المنشودة واجتذبه ذلك بالمرة (?)، ولكنه لم يعرف طريقة الزاهدين من أهل السُّنَّة والحديث (?)، ويعترف الغزالي بنفسه بذلك فيقول: "بضاعتي في الحديث مزجاة" (?)، ويحكي أنه أقبل في آخر عمره على دراسة الحديث والمطالعة في الصحيحين البخاري ومسلم (?). ولو قدّر له أن يعيش عمرًا أطول لكان لهذه الدراسة أثر في حياته، وبخاصة أنه قد اتصف بالقدرة على الغوص والتبحر فيما يتفرغ لدراسته.
الخاتمة:
وهكذا يتضح أن للتجديد مجالات عديدة كلها تسعى لإحياء الدين وبعثه، ولعل من أهمها ما ذكر من إصلاح سياسي، واجتهاد تشريعي، وتصحيح للانحرافات. وقد قام المجددون في الماضي بجهود كبيرة في هذا المجال، قدمت له في هذا الفصل نماذج من إصلاحات عمر بن عبد العزيز والشافعي وأبو