أن الخروج بالسيف واجب إذا أمكن أن يزال بالسيف أهل البغي ويقام الحق (?).
غير أن التاريخ قد أثبت أن هذا الطريق غير مأمون العواقب، وقد كانت نتيجة هذه الثورات جميعها الفشل الذريع، وكان ضررها أكبر من نفعها.
ولهذه الآثار السيئة التي تترتب على الثورة المسلحة، وبخاصة التي لا يكون احتمال نجاحها قويًا، من إثارة الفتن وإراقة الدماء وكثرة التدمير والتخريب، استقر الرأي على تحريم الخروج على الإمام الفاسق في نفسه والذي لا يغير الشرع. يقول النووي مبينًا هذا الرأي: "قال جماهير أهل السُّنَّة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا يعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك". ويبدو أنه قد كان في هذا خلاف أول الأمر، ويدل على ذلك ثورة الحسين وابن الزبير وأهل المدينة المنورة على بني أمية، وثورة جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج، ثم مالت الآراء إلى ما بيَّنه النووي (?).
والمقصود أنه لم يقم أحد من المجددين بخروج مسلح على الحكومات الظالمة في عهودهم، بل إن العمل السياسي نفسه قد كان عملًا ثانويًا بالنسبة لمعظمهم، وانحصرت جهود الذين أثر عنهم شيء من الجهد في هذا المضمار في توجيه النقد، وإسداء النصح للحكام، عن طريق الكلام أو عن طريق الكتابة، وإن كان عملهم ذاك قد اتسم بالجرأة في الحق والشجاعة النادرة والتجرد من الأغراض والأطماع الدنيوية، مما جعل لكلماتهم مفعولًا قويًا وأثرًا نافذًا وقبولًا عند الحكام والجماهير وكانت الكلمة بذلك أصلح من السيف.
إصلاحات الغزالي السياسية:
وكنموذج لهذا الاتجاه نسوق أمثلة من جهود الغزالي، المجدد للمائة الخامسة، ونقدم بين يدي ذلك رأيه في طريقة الإصلاح السياسي كما يراها. يقول في كتابه "الإحياء":