فلعل مرد ذلك أن معنى التجديد كان واضحًا في أذهانهم، ولم يختلط كما اختلط على بعضنا اليوم. فقضية تعريف التجديد وشرح معناها لم تنل عندهم الاهتمام الذي ناله تعداد المجددين وتسميتهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فالسؤال الذي كان قائمًا في أذهانهم والذي تركزت كتاباتهم حول الإجابة عليه لم يكن ماهية التجديد، بقدر ما كان من المجدد لكل قرن. وإن كان من الممكن اعتبار تعداد المجددين نوعًا من التعريف للتجديد؛ لأن تعريف الشيء قد يكون بذكر خصائصه، وقد يكون بذكر أفراده؛ إلا أنه من الواضح أن بيان خصائص التجديد لا غنى عنه إذا أردنا أن يكون بين أيدينا تصور لا لبس فيه ولا غموض عن ماهية التجديد.

ولكن هذا لا يعني أن السلف أهملوا هذه الناحية تمامًا، فإن أقوالهم لم تغفل الإشارة إلى معنى التجديد، وإن كان ذلك يأتي أحيانًا عرضًا وفي ثنايا الكلام، ولم يطلق عليه أحد منهم أنه تعريف للتجديد. ولكن هذه الأقوال مع ذلك ذات قيمة كبيرة ويمكن بعد عرضها أن نخرج منها بفكرة يمكن اعتبارها نظرة السلف إلى حقيقة التجديد.

التجديد هو الإحياء والإعادة:

انتهت بنا المباحث الخاصة بأصل كلمة تجديد في اللغة، واستعمالات تلك الكلمة في القرآن والحديث إلى أن التجديد يعني في الأصل الإعادة، وعلى هذا يمكن المبادرة بالقول إن تجديد الدين هو إعادته إلى مثل الحالة التي كان عليها في أول عهده. هذا هو الإطار العام لمعنى التجديد. ومن عبارات السلف التي تبرز هذا المعنى المجمل للتجديد هذه العبارة: يقول أَبو سهل الصعلوكي (ت 387 هـ): "أعاد الله هذا الدين بعد ما ذهب -يعني: أكثره- بأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وأبي نعيم الاستراباذي" (?). ونلمح من هذه العبارة أن الدين قد كان تامًّا ومكتملًا، ثم أخذ يعتريه النقص وذهب أكثره، فأعاده هؤلاء إلى قريب من حالته في عهد السلف الأول. وليس الحديث هنا عن مدى صدق هذه العبارة فيما تنسبه من إعادة الدين إلى هؤلاء الذين سمتهم، فإن الحديث عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015