هناك مبدأين إسلاميين، يجعلان من الصعب على معظم المسلمين القبول بتغيير كاسح كهذا.
المبدأ الأول هو الإيمان الأساسي بثبات القرآن وحصانته ضد التغيير، أما المبدأ الثاني فهو التأكيد على أن أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، التي يتضمنها الحديث الشريف، ملزمة للمؤمنين بالقدر نفسه؛ لأن النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- كان رجلًا كاملًا، والمثال الإنساني الذي لا يخضع للتساؤل.
ويمكن التعامل مع المبدأ الثاني بسهولة إلى حد ما لأنه حتى المسلمون المتشددون اعترفوا بأن الكثير من الأحاديث غير صحيحة.
أما المبدأ الأول الخاص بالحرمة الكلية للقرآن فيمكن التعامل معه برقة واحترام من خلال (الناسخ والمنسوخ)، أي: أن آيات معينة في القرآن نفسه تنسخ أو تبطل آيات معينة أخرى. وهو يزيل القدسية الكاملة المضفاة على كل آيات القرآن، واستخدام مبدأ النسخ على نطاق واسع يفتح للمسلمين مجالًا للتفريق بين ما هو ثابت ودائم في القرآن وما هو مؤقت وخاص.
ويمكن لهذه التفرقة أن تتم بالتمييز بين سور القرآن التي نزلت على النبي في مكة، وبين السور التي نزلت عليه وهو حاكم ومشرع وقائد لأول مجتمع إسلامي في المدينة.
وهذا يعني (فتح باب الاجتهاد) الذي جرى الحديث عنه كثيرًا، والذي أعلن علماء الدين المحافظون أنه أغلق في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين.
ولكن من الواضح أن فتح أبواب الاجتهاد، يمكن أن يتم فقط بعمل حاسم ذي شجاعة روحية وأخلاقية، تنبعث من داخل الأمة الإسلامية، ومن المجتمع الإسلامي نفسه. وواضح أن ذلك لم يحدث بعد. وفي كتابات المصلحين الأوائل تتكرر الإشارات إلى حاجة الإسلام إلى (لوثر). ولكن لا يمكن خلق أمثال لوثر بناء على الطلب، ومع ذلك فإن الحاجة قائمة في الإسلام لشخص مثله تمامًا، شخص قوي الإرادة، عالي الصوت، ومصلح اجتماعي ديني، واثق من نفسه، شخص لا يوقف أطروحته على الاجتهاد فحسب، بل ويرمي أبواب الاجتهاد بالمنجنيق إذا لم تبد دلائل على الانفتاح.