فَجَدَلْتَهُمْ وَخَاصَمْتَهُمْ فَخَصَمْتَهُمْ إِدْلَالًا مِنْكَ بِفَهْمِكَ، وَاقْتِدَارًا مِنْكَ بِرَأْيِكَ، فَأَيْنَ تَذْهَبُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؟ الْآيَةَ اعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى مَا ارْتَكَبْتَ، وَأَعْظَمَ مَا احْتَقَبْتَ أَنْ آنَسْتَ الظَّالِمَ، وَسَهَّلْتَ لَهُ طَرِيقَ الْغَيِّ بِدُنُوِّكَ حِينَ أُدْنِيتَ، وَإِجَابَتِكَ حِينَ دُعِيتَ فَمَا أَخْلَقَكَ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِكَ غَدًا مَعَ الْجُرْمَةِ، وَأَنْ تُسْأَلَ عَمَّا أَرَدْتَ بِإِغْضَائِكَ عَنْ ظُلْمِ الظَّلَمَةِ إِنَّكَ أَخَذْتَ مَا لَيْسَ لِمَنْ أَعْطَاكَ، وَدَنَوْتَ مِمَّنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَقًّا، وَلَا تَرَكَ بَاطِلًا حِينَ أَدْنَاكَ، وَأَجَبْتَ مَنْ أَرَادَ التَّدْلِيسَ بِدُعَائِهِ إِيَّاكَ حِينَ دَعَاكَ، جَعَلُوكَ قُطْبًا تَدُورُ رَحَى بَاطِلِهِمْ عَلَيْكَ، وَجِسْرًا يَعْبُرُونَ بِكَ إِلَى بَلَائِهِمْ، وَسُلَّمًا إِلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَدَاعِيًا إِلَى غَيِّهِمْ، سَالِكًا سَبِيلَهُمْ، يُدْخِلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَيَقْتَادُونَ بِكَ قُلُوبَ الْجُهَّالِ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ تَبْلُغْ أَخَصَّ وُزَرَائِهِمْ، وَلَا أَقْوَى أَعْوَانِهِمْ لَهُمْ، إِلَّا دُونَ مَا بَلَغْتَ مِنْ إِصْلَاحِ فَسَادِهِمْ، وَاخْتِلَافِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ، فَمَا أَيْسَرَ مَا عَمَّرُوا لَكَ فِي جَنْبِ مَا خَرَّبُوا عَلَيْكَ وَمَا أَقَلَّ مَا أَعْطَوْكَ فِي كَثِيرِ مَا أَخَذُوا مِنْكَ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ لَهَا غَيْرُكَ، وَحَاسِبْهَا حِسَابَ رَجُلٍ مَسْئُولٍ، وَانْظُرْ: كَيْفَ شُكْرُكَ لِمَنْ غَذَّاكَ بِنِعَمِهِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا؟ وَانْظُرْ: كَيْفَ إِعْظَامُكَ أَمْرَ مَنْ جَعَلَكَ بِدَيْنِهِ فِي النَّاسِ بَخِيلًا؟ وَكَيْفَ صِيَانَتُكَ لِكِسْوَةِ مَنْ جَعَلَكَ لَكِسْوَتِهِ سَتِيرًا؟ وَكَيْفَ قَرُبُكَ وَبُعْدُكَ مِمَّنْ أَمَرَكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ قَرِيبًا؟ مَا لَكَ لَا تَنْتَبِهُ مِنْ نَعْسَتِكَ وَتَسْتَقِيلُ مِنْ عَثْرَتِكَ فَتَقُولَ: وَاللهِ مَا قُمْتُ لِلَّهِ مَقَامًا وَاحِدًا أُحْيِي لَهُ فِيهِ دِينًا، وَلَا أُمْيتُ لَهُ فِيهِ بَاطِلًا إِنَّمَا شُكْرُكَ لِمَنِ اسْتَحْمَلَكَ كِتَابَهُ وَاسْتَوْدَعَكَ عِلْمَهُ، مَا يُؤَمِّنُكِ أَنْ تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف:169] الْآيَةَ، إِنَّكَ لَسْتَ فِي دَارِ مُقَامٍ، قَدْ أُوذِنْتَ بِالرَّحِيلِ، مَا بَقَاءُ الْمَرْءِ بَعْدَ أَقْرَانِهِ؟ طُوبَى لِمَنْ كَانَ مَعَ الدُّنْيَا فِي وَجَلٍ، يَا بُؤْسَ مَنْ يَمُوتُ وَتَبْقَى ذُنُوبُهُ مِنْ بَعْدِهِ، إِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِالنَّظَرِ لِوَارِثِكَ عَلَى نَفْسِكَ، لَيْسَ أَحَدٌ أَهْلًا أَنْ تُرْدِفَهُ عَلَى ظَهْرِكَ، ذَهَبَتِ اللَّذَّةُ، وَبَقِيَتِ التَّبِعَةُ، مَا أَشْقَى مَنْ سَعِدَ بِكَسْبِهِ غَيْرُهُ، احْذَرْ فَقَدْ أُتِيتَ، وَتَخَلَّصْ فَقَدْ أُدْهِيتَ، إِنَّكَ تُعَامِلُ مَنْ لَا يَجْهَلُ، وَالَّذِي يَحْفَظُ عَلَيْكَ لَا يَغْفُلُ، تَجَهَّزْ فَقَدْ دَنَا مِنْكَ سَفَرٌ، وَدَاوِ دِينَكَ فَقَدْ دَخَلَهُ سَقَمٌ شَدِيدٌ، وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنِّي أَرَدْتُ تَوْبِيخَكَ أَوْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015