والبراءةُ إنما تكون من الكافرين وكذلك أُمر المؤمنون ((يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلقُونَ إِليْهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الحَقِّ)) (سورة الممتحنة:1) إلى قوله تعالى مخاطباً المؤمنين ومادحاً لإبراهيم والمؤمنين معه: ((قَدْ كَانَتْ لكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ)) (سورة الممتحنة:1 - 4).
وهل يخفى أن الولاءَ والبراءَ شرطٌ في الإيمان، والله تعالى يقول: ((تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلوْنَ الذِينَ كَفَرُوا لبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَليْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِل إِليْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) (سورة المائدة:80،81).
قال ابن تيمية - رحمه الله-:"فذكر جملةً شرطيةً تقتضي أنه إذا وجد الشرطُ وُجد المشروط، بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاءُ المشروط (الإيمان ص14).
بل يصل الأمرُ في الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين إلى كونه أوثق عُرى الإيمان، بخبر الصادق المصدوق حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((أَوْثَق عُرَى الإِيمَان الحُبّ فِي الله وَالبُغْض فِي الله)) (أخرجه أحمد 4/ 286 وغيره، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1728).
والولاءُ والبراءُ ليس عقيدةً باردةً لا محل لها ولا شأن في الإسلام، بل يرى علماءُ العقيدة أنه لا يتمُّ الدينُ ولا يُقام علمُ الجهاد، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، إلا في الحبِّ في الله والبغض في الله، ولو كان الناسُ مسلمهُم وكافرهم متفقين على طريقةٍ واحدة ومحبةٍ من غير عداوةٍ، ولا بغضاء لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رسالة أوثق عرى الإيمان/38).
ومن عجبٍ أن تُجهل عقيدةُ الولاءِ والبراء، أو يتهاون المسلمون في تطبيقاتها، وليس في كتاب الله حكمٌ - بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده - أكثر أدلةٍ ولا أبينَ من معاداة