لحملها إلى أقطار الأرض جميعا. فقد كانت اللغة العربية بلغت نضجها، وأصبحت صالحة لحمل هذه الدعوة والسير بها في أقطار الأرض.

ولو كانت لغة ميتة أو ناقصة التكوين الطبيعي ما صلحت لحمل هذه الدعوة أولا، وما صلحت بالذات لنقلها إلى خارج الجزيرة العربية ثانيا .. وقد كانت اللغة، كأصحابها، كبيئتها، أصلح ما تكون لهذا الحدث الكوني العظيم.

وهكذا تبدو سلسلة طويلة من الموافقات المختارة لهذه الرسالة، حيثما وجه الباحث نظره إلى تدبر حكمة الله واختياره ومصداق قوله: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» ..

«لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها، وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» ..

وقد كان الإنذار الأكبر والأشد والأكثر تكرارا في القرآن هو الإنذار بيوم الجمع. يوم الحشر. يوم يجمع الله ما تفرق من الخلائق على مدار الأزمنة واختلاف الأمكنة، ليفرقهم من جديد: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».بحسب عملهم في دار العمل، في هذه الأرض، في فترة الحياة الدنيا.

«وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً. وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ، وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» .. فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى توحد سلوكهم، فتوحد مصيرهم، إما إلى جنة وإما إلى نار. ولكنه - سبحانه - خلق هذا الإنسان لوظيفة. خلقه للخلافة في هذه الأرض. وجعل من مقتضيات هذه الخلافة، على النحو الذي أرادها، أن تكون للإنسان استعدادات خاصة بجنسه، تفرقه عن الملائكة وعن الشياطين، وعن غيرهما من خلق الله ذوي الطبيعة المفردة الموحدة الاتجاه. استعدادات يجنح بها ومعها فريق إلى الهدى والنور والعمل الصالح ويجنح بها ومعها فريق إلى الضلال والظلام والعمل السيّء كل منهما يسلك وفق أحد الاحتمالات الممكنة في طبيعة تكوين هذا المخلوق البشري وينتهي إلى النهاية المقررة لهذا السلوك: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» .. وهكذا: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» .. وفق ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015