لبلبلة القلوب، وخلخلة الصفوف، وإشاعة عدم الثقة في القيادة والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء وتزيين الانسحاب منها، ومسالمة المنتصرين فيها! مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة، ثم لهدم كيان العقيدة، ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين! ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا. فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة، وليس فيها ربح ولا منفعة. فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر. فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار، ويكافح الباطل والمبطلين، وإما أن يرتد على عقبيه كافرا - والعياذ بالله - ومحال أن يقف سلبيا بين بين، محافظا على موقفه، ومحتفظا بدينه .. إنه قد يخيل إليه هذا .. يخيل إليه في أعقاب الهزيمة، وتحت وطأة الجرح والقرح، أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم، وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه! وهو وهم كبير. فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء، والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان، لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين، والاستماع إليهم، والثقة بهم يتنازل - في الحقيقة - عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى ..
إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته، وأن يستمع إلى وسوستهم، وأن يطيع توجيهاتهم ..
الهزيمة بادئ ذي بدء. فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية، والارتداد على عقبيه إلى الكفر، ولو لم يحس في خطواته الأولى أنه في طريقه إلى هذا المصير البائس .. إن المؤمن يجد في عقيدته، وفي قيادته، غناء عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته. فإذا استمع إلى هؤلاء مرة فقد سار في طريق الارتداد على الأعقاب .. حقيقة فطرية وحقيقة واقعية، ينبه الله المؤمنين لها، ويحذرهم إياها، وهو يناديهم باسم الإيمان: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ..