وَقَوْلُهُ: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحشر:14] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: عَدَاوَةُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ بَعْضًا شَدِيدَةٌ. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا} [الحشر:14] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، يَقُولُ: تَظُنُّهُمْ مُؤْتَلِفِينَ مُجْتَمِعَةً كَلِمَتُهُمْ {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] يَقُولُ: وَقُلُوبُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لِمُعَادَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة:58] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ تَشْتِيتُ أَهْوَائِهِمْ، وَمُعَادَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ مَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُمْ مِمَّا فِيهِ عَلَيْهِمُ الْبَخْسُ وَالنَّقْصُ.

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِمْ مِنْ إِحْلَالِ عُقُوبَتِهِ بِهِمْ مَثَلُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَقُولُ كَشَبَهِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ عُنِيَ بِذَلِكَ بَنُو قَيْنُقَاعٍ.

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَثَّلَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا هُوَ مُذِيقُهُمْ مِنْ نَكَالِهِ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ مُكَذِّبِي رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -،الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ بِسَخَطِهِ، وَأَمْرَ بَنِي قَيْنُقَاعٍ وَوَقْعَةَ بَدْرٍ، كَانَا قَبْلَ جَلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَكُلُّ أُولَئِكَ قَدْ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ بَعْضًا فِي تَمْثِيلِ هَؤُلَاءِ بِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَكُلٌّ ذَائِقٌ وَبَالَ أَمْرِهِ، فَمَنْ قَرُبَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُمْ قَبْلَهُمْ، فَهُمْ مُمَثَّلُونَ بِهِمْ فِيمَا عُنُوا بِهِ مِنَ الْمَثَلِ.

وَقَوْلُهُ: {ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} [الحشر:15] يَقُولُ: نَالَهُمْ عِقَابُ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:10] يَقُولُ: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَعَ مَا نَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخِزْيِ عَذَابٌ أَلِيمٌ، يَعْنِي: مُوجِعٌ.

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَعَدُوا الْيَهُودَ مِنَ النَّضِيرِ النُّصْرَةَ، إِنْ قُوتِلُوا، أَوِ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ إِنْ أُخْرِجُوا، وَمَثَلُ النَّضِيرِ فِي غُرُورِهِمْ إِيَّاهُمْ بِإِخْلَافِهِمُ الْوَعْدِ، وَإِسْلَامِهِمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ، وَإِلَى نُصْرَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ الَّذِي غَرَّ إِنْسَانًا، وَوَعَدَهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَكُفْرِهِ بِاللَّهِ، النُّصْرَةَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَكَفَرَ بِاللَّهِ وَاتَّبَعَهُ وَأَطَاعَهُ، فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى نُصْرَتِهِ أَسْلَمَهُ وَتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015