يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَتَخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ، يُصَاحِبُونَهُمْ وَيُصَادِقُونَهُمْ، وَيُنَاصِحُونَهُمْ، وَيُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ، وَيُفْشُونَ إلَيْهِمْ أَحْوَالَ المُؤْمِنِينَ البَاطِنَةَ.

وَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَعَلُوا للهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بَيِّنَةً وَعُذْراً فِي عُقُوبَتِهِ إِيّاهُمْ. (وَالمُرَادُ هُنَا النُّصْرَةُ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرُ المُسْلِمِينَ).

يَقُولُ تَعَالَى إنَّ المُنَافِقِينَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي أَسْفَلِ طَبَقَاتِ (دَرَكَاتِ) نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَنْ يَنْصُرَهُمْ أَحَدٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ.

أمَّا الذِينَ يَتُوبُونَ مِنَ المُنَافِقِينَ، وَيُقْلِعُونَ عَنِ النِّفَاقِ وَالكُفْرِ، وَيُخْلِصُونَ دِينَهُمْ وَعَمَلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مَعَ المُؤْمِنِينَ، وَسَيَنَالُهُمُ الأَجْرَ العَظِيمَ الذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ. (?)

وقال الطبري:"الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى مَعْنَى خِدَاعِ الْمُنَافِقِ رَبَّهُ وَوَجْهِ خِدَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ , مَعَ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ. فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِإِحْرَازِهِمْ بِنِفَاقِهِمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ , وَاللَّهُ خَادِعُهُمْ بِمَا حَكَمَ فِيهِمْ مِنْ مَنْعِ دِمَائِهِمْ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ , مَعَ عِلْمِهِ بِبَاطِنِ ضَمَائِرِهِمْ , وَاعْتِقَادِهِمُ الْكُفْرَ , اسْتِدْرَاجًا مِنْهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَلْقَوْهُ فِي الْآخِرَةِ , فَيُورِدُهُمْ بِمَا اسْتَبْطَنُوا مِنَ الْكُفْرِ نَارَ جَهَنَّمَ. عَنِ السُّدِّيِّ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] قَالَ: «يُعْطِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يَسْلُبُهُمْ ذَلِكَ النُّورَ فَيُطْفِئُهُ , فَيَقُومُونَ فِي ظُلْمَتِهِمْ وَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِالسُّوَرِ»

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ , لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُوقِنِينَ بِمَعَادٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ , وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنَ الْأَعْمَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015