ولم تكن المعصية والاعتداء أعمالا فردية في مجتمع بني إسرائيل. ولكنها انتهت إلى أن تصبح طابع الجماعة كلها وأن يسكت عنها المجتمع. ولا يقابلها بالتناهي والنكير: «كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ!» ..

إن العصيان والعدوان قد يقعان في كل مجتمع من الشريرين المفسدين المنحرفين. فالأرض لا تخلو من الشر

والمجتمع لا يخلو من الشذوذ، ولكن طبيعة المجتمع الصالح لا تسمح للشر والمنكر أن يصبحا عرفا مصطلحا عليه وأن يصبحا سهلا يجترئ عليه كل من يهم به .. وعندما يصبح فعل الشر أصعب من فعل الخير في مجتمع من المجتمعات ويصبح الجزاء على الشر رادعا وجماعيا تقف الجماعة كلها دونه وتوقع العقوبة الرادعة عليه .. عندئذ ينزوي الشر، وتنحسر دوافعه. وعندئذ يتماسك المجتمع فلا تنحل عراه. وعندئذ ينحصر الفساد في أفراد أو مجموعات يطاردها المجتمع، ولا يسمح لها بالسيطرة وعندئذ لا تشيع الفاحشة.

ولا تصبح هي الطابع العام! والمنهج الإسلامي - بعرضه لهذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي - في صورة الكراهية والتنديد، يريد للجماعة المسلمة أن يكون لها كيان حي متجمع صلب يدفع كل بادرة من بوادر العدوان والمعصية. قبل أن تصبح ظاهرة عامة ويريد للمجتمع الإسلامي أن يكون صلبا في الحق، وحساسا تجاه الاعتداء عليه ويريد للقائمين على الدين أن يؤدوا أمانتهم التي استحفظوا عليها، فيقفوا في وجه الشر والفساد والطغيان والاعتداء .. ولا يخافوا لومة لائم. سواء جاء هذا الشر من الحكام المتسلطين بالحكم أو الأغنياء المتسلطين بالمال أو الأشرار المتسلطين بالأذي أو الجماهير المتسلطة بالهوى. فمنهج الله هو منهج الله، والخارجون عليه علوا أم سفلوا سواء.

والإسلام يشدد في الوفاء بهذه الأمانة فيجعل عقوبة الجماعة عامة بما يقع فيها من شر إذا هي سكتت عليه ويجعل الأمانة في عنق كل فرد، بعد أن يضعها في عنق الجماعة عامة.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي، نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، قَالَ يَزِيدُ: أَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَسْوَاقِهِمْ، وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015